Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

رفع الإيجار على الزبائن!!

A A
بعد ساعاتِ عملٍ طويلة وشاقَّة، قرَّرتُ أنْ أُكافئَ نفسي بوجبةِ غداء شهيَّةٍ، فقصدتُ مطعمَ كبابٍ شعبيٍّ، انتقل مؤخَّرًا -بعد الهدد- لأحد الأحياء الشماليَّة، وما أنْ جلستُ على الطَّاولة، حتَّى داهمنا رجلٌ خمسينيٌّ أسمر، من الواضح أنَّه زبونهم من أيَّام الهنداويَّة، لكنَّ هيئته وأسلوبه كانت مريبةً ومزعجةً، وما كانَ ناقصًا إلَّا أن يمسك الميكرفون وينادي: «المكان محاصر، اثبتُوا مكانكم، وارفعُوا أيديكم، وسلِّمُوا أنفسكم»، كان يتحدَّث بنبرةٍ عالية، ويطلع من سالفة يدخل بسالفةٍ، حتَّى ختمها بقوله: «تصدقُوا يا جماعةَ الخيرِ، مرِّيت معارفي بالمحلَّين اللي جنبكم، لقيتهم حزنانين بيعزلُوا، بعدما رفع عليهم المالك الإيجار قرابة 50%، ليصبح 60 ألفًا بالسنة، وهذا -والله- حرامٌ، واستغلالٌ، وقطعُ أرزاقٍ، خصوصًا أنَّهم بدأوا يعوِّضُونَ خسائرَهم، ويكوِّنون زبائنَ جديدةً»!!

أوامر رفع الإيجار المزاجيَّة، التي يتفنَّنُ بإصدارها الملَّاكُ بحقِّ المحال التجاريَّة المنتقلةِ للأحياءِ الشماليَّةِ، إثر هدد المناطق العشوائيَّة، هي ابتزازٌ ومساومةٌ رخيصةٌ، هدفها استغلال شهرتها، لي ذراعها، استنزاف أرباحها، وكله على قفا الزبون، اللي بيدفع زيادة الإيجار من جيبه، بعد رفع سعر المُنتج أو الوجبة!!

كان هناك تنظيمٌ قديمٌ للإيجار، يحدِّد نسبة الزيادة وفق العمر الزَّمني للعقار، يتراوح بين 10% - 15%، لكنَّه أُلغي بالعام 1400 - 1401هـ وتُرك تحديد الإيجار، ومقدار زيادته لحريَّة المتعاقدِين، وهو ما أطلق العنان لجشع الملَّاك الذين كوَّنوا ثرواتٍ طائلةً يقابلها أوضاعٌ متردِّيةً لفئة النَّاس المستأجرة، وحتَّى عندما بدأ تنظيمُ عقود (إيجار) بالأعوام 1435 - 1438هــ، ورغم اشتماله على عدَّة مزايا مثل: توثيق العقود الإلكترونيَّة الموحَّدة، عبر منشآت الوساطة العقاريَّة، تسهيل إجراءات استلام وتسليم العين المؤجَّرة، تسهيل التَّقاضي باعتبار (إيجار) سندًا تنفيذيًّا، توثيق السعي والتأمين، تيسير الاستفادة من (دعم الإيجار) في حالات تعثُّر المواطنين، لكنَّه لم يضعْ تنظيمًا لتحديد الإيجار، ومقدار زيادته؛ ممَّا أطلق العنان لجشع الملَّاك مرَّة ثانية وثالثة وعاشرة!!

لذلك يُفترض سن تنظيمٍ يحكم مسألة تحديد الإيجار ومقدار زيادته، ويمكن تضمينه كبندٍ جوهريٍّ في عقود (إيجار) الإلكترونيَّة الموحَّدة، بحيث يكونُ ملزمًا، ويراعى فيه أنْ تكون السنة الأولى (تجريبيَّةً) يبقى الخيار بتجديد العقد من عدمه للمستأجر؛ لأنَّه سيتكلَّف جبسًا وديكورًا ونجارةً، وقد ينجح المقرُّ الذي اختاره فيستقر ويجدد.

5 سنوات وينمِّي زبائنه وأرباحه، وقد يفشل ويكون النقلُ قراره ويتحمَّل نتائجه، وأنْ يكون العمر الزمنيُّ ومدى أهمية الشارع التجاري أساسًا لتحديد مقدار الزِّيادة، وأن يكون هناك سقفٌ للزيادة، بحيث لا تتكرَّر أكثر من 4 مرَّات، ويُسمح بها كل 3 سنوات، وتبدأ بـ05% وتنتهي بـ20% كحدٍّ أقصى، وأنْ يشمل ذلك التنظيم الفلل والشقق السكنيَّة، كون راحة المواطن ببيته واستقراره مع عائلته، أولى من راحة الملَّاك وأصحاب المحلات التجاريَّة.

وعودة لقصَّتنا مع الرَّجلِ الخمسينيِّ الأسمر؛ اللي ما خلَّانا نتهنَّى بوجبتنا الشهيَّة، فقد شعرت للحظة -بعد أن ثار على الكاشير- أنَّه سيحتجزنا كرهائن، كما فعل ذلك أحمد فتح الباب (عادل إمام) بفيلم الإرهاب والكباب، حيث إنَّه لاحظ ارتفاع أسعار الساندوتشات والأطباق، ليستدير ويصرخ بوجوهنا «الحين أنا من الصبح أتعاطف مع أصحاب المحلات، وبالأخير يلبسوني الخسارة، يا ليت تجاوبوني، الحين المالك الجشع رفع الإيجار على المحل، وإلَّا (رفع الإيجار على الزبائن)»؟!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store