Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

«حنكشة» واللَّيل الطَّويل!!

A A
علق في الذِّهن ونحن صغارٌ من رواسب الزَّمن الجميل مسلسل (الليل الطويل)، هو ومسلسلات تلفزيونيَّة أُخْرى مثل (سر الغريب)، و(اليد الجريحة)، و(المنتقم)، و(فارس بني عياد)، ومعظم حلقات هذه المسلسلات كانت تُعرض حلقة واحدة كلَّ أسبوع، وكنَّا ننتظرها ونشتاق لمعرفة المزيد ممَّا يدور في أحداثها، ليس كما يحصل الآن في المسلسلات حلقة كلَّ يوم، ربما ذلك يعود لقلَّة الإنتاج يومها، وزيادة الحلقات من غير محتوى في مسلسلات اليوم؛ طلبًا لمزيد من المال.

وسأذكرُ لكم ما كانت تقومُ عليه فكرة مسلسل (الليل الطويل) بعد أنْ أُحدِّثُكم عن الليل الطويل نفسه، نعرف أنَّ الله -سبحانه وتعالى- جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يًذَّكَّرَ أَوْ أرَادَ شُكُورًا، فاللَّيلُ هذه الأيَّام طويلٌ جدًّا، والليلُ الطويلُ نعمةٌ لمَن يدرك أهميته، والاستفادة من ساعاته ولحظاته، وطول اللِّيل يرتبط بأيَّام الشِّتاء، فقد قال فيه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الشِّتاءُ ربيعُ المؤمنِ طَالَ ليلُهُ فقَامَهُ وَقَصرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ»، وقيام اللِّيل المذكور في الحديث، بالإضافة إلى أنَّه قُربةٌ إلى اللهِ، ومغنمٌ لحياةِ الآخرةِ، فإنَّه مطردةٌ للدَّاءِ عن الجسد، ومكسبٌ لصحَّة النَّفس والجسم، ومغذٍّ جيَّدٌ للرُّوح، أمَّا الرُّوحُ فلأنَّها تستأنسُ بذكر الله، والصَّلاة، وقراءة القرآن الكريم، وأصفى ما يكونُ ذلك في آخر اللَّيل، وأمَّا النَّفسُ فلأنَّها ترتاحُ من عنت النَّهار، وهمومه، وغمومه، وقلقه، وتوتره، وما ينتابها من مشكلات اجتماعيَّة ونفسيَّة، فاللَّيلُ يمتصُّ ذلك كلَّهُ، والجسم يحتاج إلى تنبيهات ضرورية ضد الجلطات تتسبب من النوم الطويل وعدم الاستيقاظ، فقيام الليل يحفظ من ذلك، وكذا ترتاح فيه غدد وتفرز فيه هرمونات، ويتأكد فيه المعالجة الخلوية لبعض النواحي البيولوجية التي تمنح الأجسام صحة وعافية.

فقد وردَ في الحديث الصحيح عن الرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «عَليكُمْ بِقِيامِ اللَّيلِ فَإِنَّهُ دأبُ الصَّالحِينَ قَبلَكمْ وقُربَةٌ إلى اللهِ تعَالَى، ومنهَاةٌ عن الإِثْمِ، وتكفيرٌ للسَّيئاتِ، ومَطْردةٌ للدَّاءِ عن الجسدِ»، وعندما يكونُ اللَّيلُ طويلًا -كما هذه الأيَّام- فإنَّ الفرصة متاحةٌ أكثر أنْ ينال الإنسان فيه قسطًا أكبرَ من النَّوم، الذي هو أحد عوامل تطويل العمر البيولوجيِّ، وهو جيِّدٌ بالنسبة لطلاب وطالبات المدارس والجامعات، ليس كأيَّام الصَّيف ليلُهُ قصيرٌ، يحضر الصغارُ والكبارُ وعلى وجوههم علاماتُ النَّوم، ولا يستفيد من اللَّيل الطويلِ مَن أجهد نفسَهُ وبقِي طولَ اللَّيل ساهرًا يبحثُ عمَّن يشتري سهرًا بنومٍ، كما كان يحدث مع حنكشة الشخصيَّة الأساسيَّة في مسلسل (اللَّيل الطويل) التي تنافس شابًّا في حبِّ شابَّةٍ صغيرةٍ في السنِّ، يتقلَّب طول اللَّيل يفكِّر فيها؛ كونه أكثر ثراءً ومالًا من ذلك الشَّاب الذي كان يعيش هو وتلك الفتاة في كنف ذلك العجوز، الذي يردِّدُ دائمًا على مسامع الشَّاب في جميع الحلقات (الـ١٣) عبارة «اللَّيل الطَّويل يا بني عصام» ولذلك سُمِّي المسلسل باسم اللَّيل الطَّويل الذي يهدف إلى التَّعريف بشخصيَّة اتَّسمت بالبخل، وطوالة العين على الشابَّة الصغيرة، التي كان يحلم في الزَّواج منها، ويذكِّر تمامًا بوضع الشقردادي هذه الأيَّام الذي يمنّي نفسه بالزَّواج من فتاةٍ صغيرةٍ؛ كونه يملكُ المالَ مردِّدًا اللَّيل الطَّويل.. اللَّيل الطَّويل، إنْ هي لمْ تًعطِهِ وجهًا، أو أخذت مَا أرادَتْ ثمَّ تركتْهُ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store