في الغالب أنَّك تقرأ هذا المقال بداخل منشأة.. وقد تلاحظ أنَّ الزَّوايا المهيمنة في التَّصميم هي الزَّوايا القائمة.. تسعون درجةً هنا وهناك في الجدران، والأسقف، والأبواب، والنوافذ.. ولو نظرت إلى خارج المبنى، فستلحظ هيمنة تلك الزَّوايا على التَّصميم أيضًا في الشكل الخارجيِّ للمبنى بكلِّ تفاصيله، وكأنَّ زاوية التِّسعين درجةً مقرَّرة وإلزاميَّة على جميع مَن قام بالتَّصميم، والتَّشييد.. ولكن فضلًا خذ لحظةً، وتأمَّل تصاميم الطبيعة.. من شبه المستحيلات أنْ تجدَ الزَّوايا القائمة في أيِّ مكان.. لا في ورق النَّبات، ولا في الورود، ولا الأشجار، ولا الثِّمار.. وفضلًا لاحظ أيضًا أنَّ الأنشطة التي تقوم بها النباتات أصعب بكثير من تلك المُناطة بالمباني الخرسانيَّة، فهي تدبِّر -بإرادة الله- جلبَ الماء والغذاء من التُّربة، وتحويل أشعَّة الشَّمس إلى غذاء وأكسجين، ومقاومة الأحمال والإجهادات الضَّخمة، سواء كانت قوَّة الهواء، أو وزن النباتات بما تحمل من أليافٍ، وماءٍ، وثمارٍ.. والموضوع لا يقتصرُ على النباتات فحسب.. ستجد ندرة الزَّوايا القائمة في تصاميم أجسام الجراثيم، والحشرات، والحيوانات البريَّة والمائيَّة.. ومن شبه المستحيلات أنْ تجدَ الزَّوايا القائمة في عالم الطيور من ريش، وأجنحة، وعظام، علمًا أنَّ التحدِّيات الهائلة التي تواجهها المخلوقات الطائرة، تتطلَّب مواجهة تحدِّيات كثيرة للتَّعامل مع الهواء، والتغلُّب على الجاذبيَّة.
وكما جاء في سورة الذَّاريات «... وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرَونَ...»، سنجد أنَّ الزَّوايا القائمة غير موجودة في الجسم البشريِّ، باستثناء مكان واحد فقط -حسب علمي- وهو قمَّة الإعجاز.. في الأذن الدَّاخليَّة بداخلنا نجد القنوات الهلاليَّة الثلاث المليئة بالسَّوائل.. وتصميها الإعجازي يشعرنا بحركة رؤوسنا من خلال المستشعرات شديدة الحساسيَّة بداخلها.. والمذهل هنا أنَّ هذه القنوات متعامدة على بعضها البعض بزوايا قائمة، لنشعر بدقَّة الحركة من خلال فوارق حركة السَّوائل بداخلها.. وأمَّا الأنظمة الأُخْرَى بداخلنا من أجهزة تنفُّس، وحركة دمويَّة، وهضم، وغيرها، فكلُّها -بلطف الله وإعجاز تصميمه وإرادته- لا تعتمد على الزَّوايا القائمة في أيٍّ من مكوِّناتها، أو أنشطتها الإعجازيَّة.
ولكن موضوعنا ليس بالبساطة التي قد تبدو حسب ما ورد أعلاه، ففي عالم الطَّيران نجد أنَّ الزَّوايا القائمة غير شائعة؛ بسبب متطلَّبات انسيابيَّة الحركة، ومقاومة الأحمال، والإجهادات على مكوِّنات الطَّائرة المختلفة، سواء كانت مقصورة الركاب، أو الأجنحة، أو الذيل، أو الدفَّة.. وبالذَّات في النَّوافذ والأبواب.. ونجد ذلك أيضًا في عالم المركبات البريَّة والبحريَّة إلى حدٍّ كبيرٍ.. من سيَّارات، ودرَّاجات، وزوارق، وبواخر.
* أمنيـــــة:
أحد جوانب الزَّوايا المهمَّة لا علاقة لها بالهندسة أو التَّصاميم، فهي متعلِّقة برؤية الأمور من زوايا مختلفة.. وتُعنى بمبررات أعمال أو أنشطة برؤى مختلفة.. وخلال الأشهر الماضية يقف ملايين البشر في حالة اشمئزاز ورفض وتعجُّب للحربِ على أهالي وعمران غزَّة.. مهما كانت زاوية نظرة أيِّ شخص أو جهة لها، لن تبرر الوحشيَّة ضدَّ المدنيِّين، والعقاب الجماعي غير المعقول.. وقد وصل مستوى الوحشيَّة لصعوبة وضع تقديرات للضحايا؛ بسبب التَّزايد اليومي الهائل للدَّمار.. أتمنَّى أنْ يرفعَ اللهُ عن أهلِ غزَّة وكلِّ فلسطين المعاناة، وأنْ يخفِّفَ عنهم المصائبَ، وهو من وراء القصد.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
