Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

أفلام العصريَّة!

A A
كعادتي أوَّل ما أصحو بالإجازة الأسبوعيَّة (الويكند)، أطلبُ من الأهل تحضير القهوة، ونجلس نبحث بنتفلكس، أو شاهد، أو ستارز أون، على فيلم سينمائيٍّ، يحمل قيمة فنيَّة ورسالة سامية، وقد وقع اختيارنا على الفيلم السعودي (ناقة)، حيث شدَّ انتباهنا البرومو الدعائيُّ: (بعد أنْ تقطَّعت بها السُّبل في الصَّحراء، عقب حضور حفلة سريَّة، تضطر فتاة شابَّة إلى مواجهة ناقة ناقمة، وما هو أسوأ منها، حتَّى تتمكَّن من العودة إلى المنزل في الوقت المحدَّد)!!

كم أنا نادمٌ، على مشاهدة فيلم (ناقة)، الذي أصابني بتلبُّكٍ فكريٍّ، نتيجة وضع المخرج «المتفذلك»، كافَّة أدوات العمل: (القصَّة، الممثِّلة، الألبسة، الأزمنة، الديكور، الألفاظ النَّابية، الموسيقى التصويريَّة) بخلاط رؤية غير فنيَّة، أفرزت أحداثًا متناقضةً، يستحيل فهمها، وكأنَّكَ دخلت بغفوةٍ قصيرةٍ، وداهمتكَ (أحلام العصريَّة)!!

بدأ الفيلم برقم ملء الشاشة: (1975م)، ليدخل رجل مستشفى ولادة، برشاش كلاشنكوف، ويمطر الدكتور المعالج، ثمَّ زوجته، بطلقاتٍ ناريَّةٍ قاتلة، وسط صرخات طفلته المولودة، بحجَّة أنَّه كان يريد توليدها من قِبل دكتورة. إلى هنا، والأحداث قد تواكب أفكار تلك الحقبة الزمنيَّة (ماعدا بالطو الطبيب)، والذي لا يُعدُّ شيئًا، أمام تناقض المشاهد التَّالية، التي أصبحت فيها البنت فجأةً فتاةً عشرينيَّةً، أي بالعام (1995م)، ومع ذلك تقتني إكسسواراتٍ وتقنياتٍ حديثةً!!

تخيَّلوا: الفتاة العشرينيَّة، لأبٍ محافظٍ وقاسٍ (اللي مدري كيف ما قصُّوا به، وهو ذابح زوجته والدكتور)، واللي مدري كيف وافق يوصلها للسُّوق الشعبيِّ الساعة 1 ظهرًا، على أنْ يعود لأخذها التَّاسعة ليلًا (لو كان ليبراليًّا ما وافق)، لتلتقي صديقتها التي تُسهِّل لقاءَها بشابٍّ يستقلَّها بكابرس تسعاويٍّ.

تخيَّلوا: يأخذها وينطلق بها لمنطقة صحراويَّة لحضور حفلة غنائيَّة، وحفله لمَن (لشبح بيشة)، اللي أظنُّه باقيًا ما انولد، أو بالمرحلة الابتدائيَّة في تلك الحقبة!!

تخيَّلوا: يضيِّعُون الطَّريق، وتُخْرِج الفتاة جوَّالها الحديث (سامسونج)، ويتَّصل الشابُّ بصاحب الحفلة، ويطلب منه يرسل (اللوكيشن)!!

تخيَّلوا: يصطدمُون فجأةً في (حوار)، ويذبحُونَه أمام أعين والدته النَّاقة، لتًصْدِر رغاءً من حقدها عليهم، مع ذلك تترصَّد للفتاةِ وحدها وتنتقم منها!!

تخيَّلوا: أنَّهم بصحراء قاحلة -وبذاك الزَّمن- مع ذلك شبكة الجوَّال دائمًا (فُل)!

تخيَّلوا: تضرمُ الفتاةُ النَّار على 3 شبان، وعامل دبابات بكشك، مع ذلك تكمل طريقها وتكمل الفيلم، ولا كأنَّه صار حاجة!!

أدري أنَّني صدَّعت رؤوسكم، وأدري أنَّكم تقولون: طالما ما عجبك فيلم (ناقة) ليه كمَّلته؟ّ ليه جاي تغثُّنا به؟! والحقيقة أنَّي مغبون، خاصَّةً أنَّه كان كلُّ مرَّة يسألني أحد أولادي: وش فيه يا بابا؟!، لأحدِّق إليه مفهيًّا، لذلك أناشد الجهة المختصَّة، بتشديد الرِّقابة، وعدم إجازة الأفلام الهابطة، التي تتعمَّد تشويه عاداتنا ومبادئنا القيِّمة، بخلق حالةٍ فانتازيَّةٍ، هدفها تشتيت ذهن المتلقِّين، وإيصال رسائلها المُسيئة من تحت الطاولة!!

الرَّسائل التي استشففتُها من فيلم (ناقة): أنَّ السعوديَّ بدائيٌّ متعجرفٌ يمكنه ذبح مَن يعارضه، ولا أحدَ يحاسبه!

أنَّ (النَّاقة) التي تمثِّل الغيرة والجَلَد والأصالة هي عاملُ هدمٍ وإعاقة. أنَّ المرأة اللَّعوب، مقهورةٌ مظلومةٌ؛ لذلك ستنصفُها الأقدارُ وتنتصرُ لها! (حيث عادت الفتاة رغم كلِّ العوائق للسُّوق، ووجدته يحترق ليبتهل والدها بسلامتها).

كانت هذه الرَّسائل المُشينة لفيلم (ناقة)، مع أنَّ عنوانه يرمز للبادية الأصيلة، فكيف تكون رسائل بقيَّة الأفلام السعوديَّة المعروضة: (أحلام العصر)، و(جايبة العيد)، اللي مضامينها وقيمتها الفنيَّة مبينة من عناوينها، واللي من غموضها وركاكتها قد يلتصق بها لقب (أفلام العصريَّة)؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store