Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

جدة و(نسيم الصباح)!!

A A
قبل يومين أعلن الشتاء دخوله الرسمي، وعندما يقدم الشتاء ببرده القارس وهواه اللافح وثلجه الجامد يكون اللجوء إلى الدفء عبر وسائله المختلفة، وللشتاء وبرده أن ينزل حيث شاء ويعبر ما شاء له من القارات ويحل في جسد ما شاء من المدن والمحافظات إلا أنه إذا وصل حدود مدينة جدة يقف عند بوابتها ليكون عمله فقط تلطيف الجو لها وإرسال نفحات من البرد الخفيف جداً لكي يلاطف نفوس أهل جدة، ويداعب قلوبهم، ويلامس أجسامهم، لذلك هذه الأيام في جدة عندما ينسم علينا الهواء في الصباح الباكر أو أطراف الليل تهب ريحه بشيء من اللطف تشعرك بالنسيم الصباحي الجداوي المحبب إلى النفس، وعلى ذكر الصباح فمفردة الصباح ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم في مواضع متعددة، منها قوله تعالى (والصبح إذا تنفس) أي الصبح إذا أقبل، وإضفاء معنى التنفس على الصبح يشعرك بأنه كائن حي وهو وصف جميل فكأن الليل يجثم بصدره على الحياة حتى إذا حل الصبح ودنا وقت قدومه عادت إليه الحياة وبدأت رئتاه باستنشاق الأكسجين الذي يعيد للحياة معناها من جديد خاصة إذا صاحب ذلك الصباح نسمة هواء عليلة مما يجعل البعض يردد «أيا نسيم الصباح مع الصباح»، والنسيم ريح خفيفة لا تحرك شجراً ولا تعفي أثراً، وهو على نوعين، نسيم البحر وهو هواء لطيف يهب من البحر إلى اليابسة، ونسيم البر وهو ريح تهب من البر نحو البحر، وكلاهما البحري والبري لا يوجدان إلا في المدن الساحلية ويذكر الدكتور الزعاق أن النموذج الأمثل لذلك هو مدينة جدة، لذلك فإن النسيم البحري والبري هو من علامات التميز لمدينة جدة، كما أن هناك نسيم الصباح هناك نسيم الصّبا ومن ذلك قولهم: «فيا نسيم الصّبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيّا كان تحيتنا».

إن من اجمل ما يضفي على النفس الصفاء والنقاء والطمأنينة في نسيم الصباح هو صلاة الفجر في وقتها التي يقول عنها عليه السلام في الحديث الصحيح «من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله»رواه مسلم، ومكتسبات وفضائل صلاة الفجر حاضراً متعددة منها حصول البركة في ذلك اليوم لأنه يوم بدأ بطاعة وهو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه سلم بقوله «بورك لأمتي في بكورها»خاصة إذا صاحب ذلك ورد الأذكار إلى شروق الشمس.

كما أن الإنتاج الفكري والفهم والاستيعاب يكون في أعلى مؤشراته نظراً لصفاء الذهن ونقاء الهواء حيث يكون مفعما بالأكسجين وأهل الفجر والأذكار نفوسهم طيبة ووجوههم مشرقة والحياة عندهم مفعمة بالطاقة والعطاء والنشاط، لذلك فعلاً من يصلي الفجر خاصة إذا صلها في جماعة يجد بعدها في نفسه حيوية ونشاطاً يستمد منها طاقة يومه فتنتعش نفسه بنسيم الصباح وتحل البركة في داخله والطمأنينة في قلبه والانشراح في صدره، فكيف إذا كان النسيم موصوفاً بأنه مجدد للنشاط محرك للجوارح وملهم للأفكار ومغذٍ للروح كنسيم مدينة جدة التي تتميز به في أيام الشتاء بنسمات هوائية نقية ذات ذرات من الأكسجين سوية تنبعث من جوار البحر أو على بعد مسافات منه فيما يعرف بنسيم البر تتسلل إلى الجهاز التنفسي ومنه إلى الرئتين ومن ثم تُحمل إلى كل الخلايا العصبية والعضلية والعظمية المناعية فتدفعها إلى أن تكون في أزهى عطائها الخلوي وحضورها الحيوي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store