Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

آلاء نصيف.. والإبداع الفكري

A A
رحم الله الدَّاعية والمربِّية الدكتورة فاطمة نصيف رائدة العمل النسائيِّ التربويِّ في زمانها، وصدق مَن قال «مَا مَاتَ مَن خَلَّف»، وكذلك مقولة «اجعلْ مَن يراكَ يدعُو لمَن ربَّاكَ»، فعندما استمعتُ للدكتورة آلاء محمود نصيف، ابنة الدكتورة فاطمة فيما تحدَّثت به في مقابلة «برود كاست 8»، قلت: «رحمَ اللهُ مَن ربَّاكِ أبًا وأُمًّا» ولا أخفيكم أنَّني لم أستمع لأحد ينظِّر لكلِّ ما له علاقة بالمرأة في حياتنا المعاصرة مثلها، ولعلَّ ذلك يعود -بعد فضل الله ثمَّ تربية والدتها لها- إلى سعة اطِّلاعها والثَّقافة الواسعة وقراءتها الحديثة باللُّغتين العربيَّة والإنجليزيَّة في أمور الحياة الاجتماعيَّة للشرق والغرب، وما أضفى على اللقاء سهولةً تلقِّيه وهضمه والوقوف على المهمِّ من القضايا هو المحاور الذي كان يلتزم بالأسئلة المحدَّدة، واستهداف الفكرة مع أدب الحوار، وعدم الإطالة في التَّوضيح والشَّرح؛ لأنَّنا حقًّا اُبتلينا ببعض المحاورين الذين ينصِّبُون أنفسهم متحدِّثين نيابةً عن الضَّيف.

أمَّا ما ميَّز الدكتورة آلاء في المقابلة، هو إبداعها الفكريُّ، وتحليل الأمور، وفقًا لمعطيات المجتمع النفسيَّة والحياة الواقعيَّة، رابطةً ذلك بالأُسس التربويَّة الربانيَّة وليس كبعض أساتذة التَّربية أو الاجتماع الذي يجنح إلى نقل النَّظريَّات الغربيَّة الصِّرفة الخالية تمامًا من وجهة نظر، مؤكِّدًا عليها في دِين الله، أو الهَدي النبويِّ، فما يكتبه علماء ومتخصِّصو أساتذة المدارس الغربيَّة، أو شَّرق الآسيويَّة أيضًا وغيرهم، حتَّى من بعض أبناء المسلمين التَّابعين فكرًا لتلك المدارس يفتقر إلى التَّحقق منه نفعًا، ويعتريه النقصان فائدة؛ لأنَّ ذلك جهدٌ بشريٌّ ودراسةٌ بحثيَّةٌ، بينما الحقيقة المُطلقة لا يملكها إلَّا مَن خلق (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) خاصَّةً عند الحديث عن الأمور الحياتيَّة التربويَّة والاجتماعيَّة والنفسيَّة التي كان معظم حديث الدكتورة آلاء عنها.

ومن أبرز ما تطرقت إليه هو الحديث عن القيمة الحقيقية للمرأة كإنسان، بأنْ ليس قيمتها الحقيقية هي الانخراط في العمل والخروج من البيت فقط -نبهت في حديثها ليس المقصود عدم عمل المرأة أو توظيفها- إنما مفهوم ومقاصد العمل، وما يترتب عليه من أمور سلبية على حياة الأم ومستقبل الأبناء من تشوهات اجتماعية نتيجة عدم التفرغ لهم، ومنحهم حقوقهم والاهتمام بالجانب الإنساني للطفل، فأخطر سن في الطفولة هي سنواته الأولى التي تهمله الأم فيها تمامًا، وتتفرَّغ لعملها ووظيفتها، ولدرجة التخلِّي حتَّى عن إرضاعه والاهتمام به كإنسان يستحقُّ العناية والتفرُّغ له؛ ممَّا جعل التَّشريعات الغربيَّة اليوم تمنح أمَّه حقَّ التفرُّغ من الوظيفة تمامًا لسنوات؛ لتقوم برسالتها نحو أطفالها، بل هناك إجازة أبويَّة لتمكين الأب من مساعدة الأم؛ لتقوم بواجبها ومهمَّتها الإنسانيَّة نحو أطفالها وصغارها.

وتطرَّقت الدكتورة آلاء إلى أمور وقضايا أبدعت فيها فكريًّا، أيَّما إبداع تستحقُّ أنْ تناقش بشكلٍ أوسع وأدق ليصبح المجتمع على أرفع ما يجب أن يكون عليه من الحياة السعيدة والمفيدة؛ لأنَّ هناك مَن يظنُّ أنَّ النظام الاجتماعيَّ الغربيَّ -على علَّاته وأمراضه- هو النموذج الأمثل للحياة، وهذا خطأ كبير يحتاج إلى وقفة متخصِّصين أمثال الدكتورة آلاء؛ لفرز ما كان منه مفيدًا، وتعديل ما كان منه مائلًا مع بناء أُسسه وأركانه على ما جاء من توجيهات ربانيَّة في الكتاب والسُّنَّة على صاحبها أزكى صلاة وأعطر سلام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store