Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

لغط.. صخب.. ضجيج

A A
- مُعظم الضَّجيج الذي تُصدره قنواتُ الإعلامِ الجماهيريَّة الحديثة، ومواقع التَّواصل الاجتماعي.. ضجيجٌ أسودُ، يعملُ على تلويثِ السَّمع، وتعكيرِ المزاج، وغسلِ المخِّ، والتَّشويشِ على الإدراك السَّليم. كما أنَّ معظم الأخبار العاجلة، في واقعها غيرُ عاجلةٍ إطلاقًا، بل أحداثٌ ليست ذات أهميَّة مُعتبَرة لك، لكنَّها تقتحمُ منطقةَ راحتك اقتحامًا قسريًّا.. وهي ليست في واقعها عاجلةً، لكنَّه الهوسُ بضرورةِ الاطِّلاع الآنيِّ على كلِّ ما هبَّ ودبَّ؛ ممَّا يعملُ الإعلامُ التِّقنيُّ الحديثُ على تغذيتِه ونشره.

- التَّواصلُ بواسطة الرَّسائل النصيَّة و»الواتساب».. أراحَ كثيرًا ممَّن لا يُحبِّذُون التَّواصلَ بالمُكالمات الصَّوتيَّة، وينزعجونَ من الأخذِ والرَّدِ صوتيًّا. فبعضُ الأشخاص المُتأمِّلين والمفكِّرين، يحتاجُونَ إلى الهدوء والسُّكون لإنتاج أفضل ما لديهم، ويفضِّلُون قلَّة الاختلاط، وهُم من ذوي الحساسيَّة المُفرطةِ للصَّوت العالي، فبداخلِهم ما يكفيهم مِن صخَبِ أفكارِهم وضجيجِ صمْتِهم.

- مُعظمُ الأسوياء نفسيًّا، يميلُون إلى العُزلة الاجتماعيَّة، وتجنُّب زحام البشر، والحدِّ من تواصِلهم مع النَّاس، والاكتفاءِ بأصدقاء قليلِينَ معدودِينَ، والاقتصارِ على حاجاتهم الأساسيَّة المُتواضعة، في مُقابل أُناسٍ آخرين يعيشُونَ على إثارةِ الَّلغط والجَدَل، ويقتاتُونَ على الصَّخب والتَّفاهة والابتذال، ولا يتورَّعون عن نقل الكلامِ، وتدويرِ الفضائحِ في وسطٍ أخلاقيٍّ وسلوكيٍّ غير سويٍّ أبدًا.. شَفاهم الله.

- لغَطٌ.. ضجيجٌ.. مُناوشاتٌ.. فوضَى.. عُنفٌ.. صخَبٌ.. جِدالٌ.. توتُّراتٌ.. تعصُّباتٌ.. مُبالغاتٌ.. اندفاعاتٌ.. اختلالاتٌ فكريَّةٌ، واهتزازاتٌ انفعاليَّةٌ، واضطراباتٌ شخصيَّةٌ. يقول الدكتور «أحمد خالد توفيق»: (أمقتُ الصَّوتَ العالي بشكلٍ لا يُوصَف.. ومِن المؤسِف أنَّنا مُحاطُونَ بأشخاصٍ لا يملكُونَ أيَّ موهبةٍ إلَّا صوتَهم العَالي).

- عندما تزدادُ الضَّوضاءُ، ويكثرُ الجِدالُ، وتنتشر الثَّرثرةُ، وتختلُّ المَعاييرُ، وتضطربُ الأفكارُ، وتهتزُّ القِيَمُ، ويُصبح الحليمُ حيرانَ.. من السَّلامة للمرءِ أنْ يلجأَ للصَّمت، والترقُّب، والمُلاحظة، والتأمُّل، والتدبُّر، وإتقانِ ما يجب عليه من عباداتٍ وأخلاقٍ وعملٍ، وأنْ يطلبَ اللُّطف والهِداية من الله.. ويحرصَ ما استطاع على أنْ يجلسَ هادئًا في زاويةٍ صغيرةٍ ومعه كتاب.. دون شغفٍ كاذبٍ أو تنافسٍ مَحمومٍ أو تفاخرٍ مُزيَّفٍ.. راغبًا من صميمِ قلبه أنْ يكونَ مُطمئنًا.. مُطمئنًا فحسْب. يقول «دوستويفسكي»: (ألمْ تمل من مُحاولاتِك للتَّأقلمِ مع صخَب هذا العالمِ الأبلهِ.. أنتَ تعلمُ علاجَ سُقمِكَ.. انعزِلْ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store