Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

«نجاح الآخرين.. يُثري ولا يُؤذي»

A A
أحيانًا يُطلق الإنسانُ عبارةً، ولا يعلم القِيْمةَ العظيمةَ لها، ولا يدورُ بخلده أنَّها ستجدُ قبولًا وخُلُودًا، مع ملاحظة أنَّ قيمة العبارة وقبولها وخلودها لا تتوقَّف على بلاغتها وتكثيفها واختصارها فقط، وإنَّما تذهبُ بعيدًا لتصلَ إلى سَنِّها منهجًا أصيلًا، ورسمِهَا خارطةَ طريقٍ واضحةَ المعالمِ، ووضعِها علاجًا لأزماتٍ غدت تشكِّل عوائقَ في طريق نجاحات الآخرين، ومحطَّاتِ إحباطٍ تُجبرهم على الوقوفِ فيها، والتزوُّدِ من منغِّصاتها. ما دفعني لهذا النثار، هو تغريدةٌ قرأتُها -مطلع الأسبوع الجاري- جاءت قليلةَ الكلماتِ وذات قيمةٍ ومعنًى، لكاتبها الأستاذ الدكتور (مكين بن حوفان القرني)، الذي شُغِل بالعربيَّة وقضاياها، فكان أنْ منحتْهُ الكثيرَ من جمالها وثرائها، وهو ما يتبدَّى جليًّا فيما يكتبُ من تغريداتٍ ذات قيمةٍ وهدفٍ، في قالبٍ فنيٍّ بديعٍ. جاءت تغريدةُ الدكتور مكين مكثفةً ومختصرةً وذات رسالةٍ قِيَميَّةٍ واضحةٍ، حيث كتب في حسابه على منصَّة (إكس) قائلً:ا «في قاموسِ الأنقياءِ: نجاحُ الآخَرِين يُثرِي ولا يُؤذِي». الدكتور مكين جاءَ بهذه القاعدةِ بعد أنْ جعل من نفسه فلاحًا طافَ على (حقلِ الزهورِ)، الذي يُقابله في تغريدته عبارة (قاموس الأنقياءِ)، ثمَّ خرج لنا الفلاح بباقة من الزهورِ نَصُّ رسالتِها: «نجاحُ الآخرين يُثرِي ولا يُؤذِي»، وكأنَّه يريدُ أنْ يقولَ: إنَّ هذه القاعدة أو الحكمة لمْ تأتِ من ذهنيَّةٍ تقليديَّةٍ تحفلُ بكمٍّ وافرٍ من الحِكَم المكتنزَةِ لديها، ولا تجد مشقةً في بسطها أمام أنظار الملأ، وإنَّما جاءت من (قاموسِ الأنقياءِ)، ومعلومٌ أنَّ القاموس يحوي أدقَّ الكلمات وأصدَقَها وأصوبَها، وأنَّ الأنقياءَ هم صفوةُ البشرِ، وأفئدتُهم كأفئدةِ الطَّيرِ نقاءً ورقَّةً، ولذا أراه قد وُفِّق حينما اختار عبارة (قاموس الأنقياء)، ليُمهَّد بها لحكمتِهِ البليغةِ (نجاح الآخرين يُثري ولا يُؤذي)، وهذا هو المُفترَضُ، إذ إنَّ نجاح غيركَ ينبغي أنْ تراهُ وسيلةَ إثراءٍ لك ولمجتمعك؛ استنادًا على أنَّ هذا النَّجاح ما تحقَّق إلَّا بعد حصيلةٍ وافرةٍ من العلوم والمعارف، والجهدِ والخبراتِ، والتَّجارب التي يتخطَّى نفعُها صاحبَها ليصل إليك، وإلى مَن هم حولك بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، والمُفترَض ألَّا تنظر لهذا النَّجاح على أنَّه وسيلةُ إيذاءٍ لك في معاشك أو منصبك أو مكانتك، وهذا الذي لا يطيقُهُ إلَّا (الأنقياءُ).
نجاح الآخرين في الدراسة والتحصيل، أو في مجال الإبداع العلمي أو الثقافي أو الرياضي، أو في مجال الأعمال والمهام والمهن الموكلة إليهم -أياً كانت مسمياتها- أو في مجال التجارة وغير ذلك، هو في حقيقته إثراء لا إيذاء، وهو رافد مهما صغر حجمه أو تدنت أهميته. وعلى هذه الحكمة البليغة التي دوَّنها الدكتور مكين فإنَّه ينبغي ألَّا نبخل بكلمة طيبة للناجحين، وألَّا نبخسهم حقَّهم، وألَّا نقلِّل من نجاحاتهم وإمكاناتهم وأدوارهم، وألَّا نتوجَّس منهم، وألَّا نجعل من إثرائهم المؤكَّد إيذاءً متوهَّمًا، وهذا لا ينفي أنَّ في بعض النجاحات حالاتِ إيذاءٍ خاصَّةً ممَّن لمْ تَحسن نوايا أصحابها، فأرادوا بنجاحاتهم (عُلُوًّا فِي الأَرْضِ أوْ فَسَادًا)، لكنَّ هذه الحالات تبقى في خانة الشَّاذ الذي لا حُكمَ له.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store