Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

اليابــــــانية

A A
الحمد لله أننا نشهد نِعَم الله العظيمة اليوم وكل يوم، وخلال هذا الأسبوع ذُهِلَ العالم بمشاهدة ستر الله في إحدى الحوادث الجوية؛ التي كادت أن تكون كارثة مروعة، أثناء هبوط رحلة الخطوط الجوية اليابانية رقم 516 من طراز إيرباص 350، من مدينة «سابورو» اليابانية إلى مطار «هنيده»، وهو أكبر مطارات طوكيو، حيث ارتطمت في بداية المدرج بطائرة أصغر حجماً تابعة لخفر السواحل، فحطَّمتها بالكامل، وتحطَّمت العجلة الأمامية للإيرباص وبدأت تحترق وزحفت على مقدمتها لمسافة حوالى ألف متر.. وبعدما توقَّفت تماماً، بدأت عملية إنزال الركاب، ونزل جميع الركاب والملاحين وعددهم 379 من الطائرة المشتعلة بدون إصابات.. ولا يمكن التكهن بنتائج التحقيقات الموسعة في الحدث التي بدأت فوراً، ولكن هناك بعض النقاط والدروس الرائعة التي لا جدال فيها، وإليكم بعضها:

أولا: طائرة الإيرباص 350 الأوروبية، هي إحدى أحدث وأكبر الطائرات التجارية في العالم.. طولها يكاد أن يساوي طول البوينج 747 جامبو.. ما يفوق طول درزن سيارات «لاندكروزر».. وممكن أن تفوق حمولتها الأربعمائة راكب.. طارت لأول مرة عام 2013، وتتمتع بأحدث التقنيات.. وكان هذا أول حادث كبير لهذا الطراز، وهو أول حادث لاحتراق بدن الطائرة بالكامل، علماً بأن معظمها مصنَّعة من ألياف كربونية قوية جداً، وخالية من المعادن.. وقد كان احتراق بدنها في هذا الحادث أفضل من المتوقع، بالذات مقارنة بالطائرات ذات الهياكل المعدنية.

ثانياً: هذه من أول الحوادث التي يشهد فيها العالم أهمية دور ملاحي الطائرة.. وتحديداً دور المضيفين والمضيفات في القيام بأهم المهام الأساسية، وهي تأمين سلامة الركاب.. العديد من الركاب يعتقدون أن مسؤولية طاقم الطائرة هي خدمة الركاب، من شاهي، وقهوة، وغذاء، ومخدات، وغطيان، وهذه من المفاهيم الشائعة الخاطئة.. مسؤوليتهم وتدريبهم واهتمامهم الأول والأهم هو سلامة الركاب.. وهم من أسس منظومة السلامة في النقل الجوي.. وفي حادثة اليابانية تجلت أهمية ذلك.. كانت إدارة الطاقم رائعة منذ ارتطام الطائرة واشتعال النار فيها، إلى أن توقفت ونزل منها كل الركاب.. وللعلم تحتوي الإيرباص المعنية على ثمانية مخارج، وهي مصممة لخروج جميع الركاب من نصف تلك المخارج خلال تسعين ثانية فقط.. وفي الحادث خرج الجميع بسلامة الله.. وللعلم، فمعظم أبواب الطائرة لم تُفتح بسبب انتشار النيران حول بدنها، وتحديداً، استخدمت ثلاثة من أصل ثمانية مخارج.

ثالثاً: تألق ركاب الرحلة في انضباطهم، فكانت الحركة بداخل الطائرة منظَّمة، وخروج العدد الهائل من الركاب من المخارج المحدودة في قمة التنظيم، فلم يأخذ الركاب أمتعتهم الشخصية، ولم ينشغلوا بتصوير الحدث لنشره على وسائط التواصل الاجتماعي.. ولو تمت المقارنة بخروج الركاب من حوادث مشابهة، فستجد سلوكيات عجيبة في تلك الحوادث، محورها تقديم المصالح الشخصية على حساب تهديد سلامة الآخرين.. اليابانيون تألقوا في سلوكهم الحضاري.

رابعاً: من مبدأ «لاقيني ولا تغديني»، قدمت الشركة اليابانية اعتذارها على فقدان كلب وهرَّة على متن الطائرة المحروقة.. حركة رد اعتبار جميلة.

* أمنيــــــة:

إحدى مميزات عالم الطيران التجاري، هي ثقافة السلامة من خلال المشاركة والاستفادة من كل واقعة، وكل حادثة، وكل كارثة، بهدف الارتقاء المستمر في كل مكان.. ولن تظهر نتائج التحقيقات في حادثة الطائرة اليابانية فوراً مهما بدت وكأنها بديهية، ولكن أتمنى أن نستفيد مما رأينا وسمعنا إلى اليوم، وأخص بالذكر تميُّز ملَّاحي الطائرة، والسلوكيات الحضارية للركاب، وثقافة السلامة للكل، والله لطيف بعباده، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store