Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

أبطال الداخلية.. يواصلون التصدي للمتسللين

A A
لفتَ نظرِي -خلال الأيَّام الماضية- إحصائيَّةٌ نشرتَهَا وسائلُ الإعلام المحليَّة عن نجاح الحملات الميدانيَّة المشتركة، لمتابعة وضبط مخالفي أنظمةِ الإقامة والعمل وأمن الحدود، التي تمَّت في مناطق المملكة كافَّة، خلال الفترة من 22 - 28 / 6 / 1445هـ، الموافق 4 - 10 /1 / 2024م في ضبط 18,538 مخالفًا لأنظمة الإقامة، والعمل، وأمن الحدود.

هذه الأعدادُ الهائلةُ التي تمَّ ضبطها خلال أسبوعٍ واحدٍ من المخالفين ومتجاوزي الأنظمة، تُوضِّح بجلاءٍ حجم المشكلة التي تواجهها المملكة، والاستهداف الكبير الذي تتعرَّض له، والمخاطر الكبيرة التي تمثِّلها قضيَّة المتسلِّلين ومجهولي الهويَّة، الذين يحاولُونَ دخول أراضيها بدون أوراق ثبوتيَّةٍ، دون أنْ تكون بحوزتهم أيُّ وثائق تشيرُ إلى وضعهم، أو تشرح حقيقتهم، لذلك فهم أشبهُ ما يكونُونَ بالقنابل الموقوتةِ، التي يمكنُ أن تنفجَّر في أيِّ لحظةٍ، لتُلحِق أضرارًا كبيرةً بالمجتمع والوطن -لا قدَّر اللهُ-.

هؤلاء الأشباحُ يحاولُونَ التسلَّل إلى أراضينا في غفلةٍ عن أعين الجهات المعنيَّة عبر مناطق شديدةِ الوعورةِ، ومتراميةِ الأطرافِ؛ ممَّا يجعلُ مراقبتها -على مدار السَّاعة- أمرًا بالغ الصُّعوبة، لكنَّ رجال أمننا البواسل، الذين نذرُوا أنفسَهُم لخدمة بلادهم، ويضحُّون بسلامتهم، ويضربُونَ أروعَ الأمثلةِ في الولاءِ، عاهدُوا ربَّهم، ثمَّ ولاةَ أمرِهِم على التصدِّي لهؤلاء المغامرِينَ، وإرجاعهم من حيث أتوا، مهما كلَّفهم ذلك من معاناةٍ وتضحيةٍ، حيث يعملُونَ في ظروفٍ شاقَّةٍ، ويفترشُونَ أحيانًا الأرض، ويقضُون ساعاتٍ طوالًا وسط الظَّلام لمتابعةِ المخالفِينَ.

المؤسف في الأمر، أن هناك من يسعى باستهتاره وطيشه وعدم تقديره للمسؤولية، أو سعيه للحصول على مبالغ مالية زهيدة، إلى تبديد كل هذه الجهود، وذلك بتقديم الدعم لهؤلاء المجهولين، سواء بنقلهم أو إيوائهم أو تشغيلهم، رغم أن الأجهزة المختصة في وزارة الداخلية والنيابة العامة قد نبهت مراراً وتكراراً إلى خطورة هذه الأفعال، وحذرت من العواقب الوخيمة التي قد تترتب عليها، وأوضحت العقوباتِ التي قد تطال كلَّ مَن يُقْدِم على هذه الأفعال.

ونعلم جميعًا أنَّ النِّظام ينصُّ على أنَّ كلَّ مَن يُسهِّل دخول مخالفي نظام أمن الحدود للمملكة، أو نقلهم داخلها، أو يُوفِّر لهم المأوى، أو يُقدِّم لهم أيَّ مساعدةٍ أو خدمةٍ بأيِّ شكلٍ من الأشكال، يُعرِّض نفسه لعقوباتٍ تصلُ إلى السِّجن مدَّة 15 سنةً، وغرامة ماليَّة تصلُ إلى مليونِ ريالٍ، ومصادرة وسيلة النَّقل والسَّكن المستخدم للإيواء، إضافةً إلى التَّشهير به. كما أوضحت الأجهزةُ المختصَّةُ أنَّ هذه الجريمة تُعدُّ من الجرائم الكبيرة الموجبة للتَّوقيف، والمُخلَّة بالشَّرف والأمانة، حاثَّةً على الإبلاغ عن أيِّ حالات مخالفة على أرقام هاتفيَّة مخصَّصة لهذا الغرض.

ويعودُ السَّبب في هذا التَّشدد في ملاحقة المتسلِّلين، إلى المخاطر العديدة التي يمكن أنْ يتسبَّبوا فيها، مثل ارتفاع احتمال إصابتهم بأمراضٍ خطيرةٍ؛ لأنَّهم قادمُونَ من مناطق تنعدمُ فيها وسائلُ الرِّعاية الصحيَّة، ويتعظَّم هذا الخطر في ظلِّ الواقع الذي نعيشه مع تزايد انتشار الأمراض المُعدية.

كذلك، فإنَّ انعدام وجود وثائق وبيانات أمنيَّة عن هؤلاء المتسلِّلين، يُشكِّل هاجسًا مؤرِّقًا للسُّلطات الأمنيَّة، لا سيَّما أنَّ معظمهم يعيشُونَ في مناطقَ جبليَّةٍ أو خارج المدنِ؛ ليصعب على الأجهزةِ الأمنيَّةِ مراقبتهم وتعقُّبهم، وقد يعمدُون بسببِ الرَّغبة في العودة السَّريعة لبلادهم، إلى ارتكاب جرائم السَّلب والنَّهب والقتل، وتهريب وترويج المخدِّرات والأسلحة والخُمور، والعُملات المزيَّفة، إضافة إلى إشعال الحرائق في المناطق ذات الكثافة النباتيَّة العالية؛ لإعاقة أجهزة الأمن عن ملاحقتهم وضبطهم، وهو ما يؤدِّي لحدوث خسائر ماديَّة وبيئيَّة كبيرةٍ.

ووزارة الداخليَّة إذ تشنُّ هذه الحملات المكثَّفة، ويقدِّم عناصرها وأبطالها كلَّ هذه التَّضحيات الجسيمة، فإنَّ الواجب يتطلَّب منَّا جميعًا أنْ نقومَ بإسنادها ودعمها ومؤازرتها، وأنْ يعتبر كلُّ فردٍ من هذا الشَّعب العظيم نفسه جنديًّا في خدمة وطنه، وأنْ نبادرَ للاتِّصال على الأجهزة المعنيَّة عبر أرقام الهواتف المخصَّصة لهذا الهدف، للإبلاغ عن أيِّ أشخاصٍ مشبوهِينَ، وأنْ ندركَ جيِّدًا أنَّ التَّعاطف مع المتسلِّلين، أو تقديم أيِّ شكلٍ من أشكال الدَّعم والمساعدة لهم هو خيانةُ لقِيَم الوطنيَّة، يستحقُّ مرتكبها أقصى أنواع العقابِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store