Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

إستراتيجية السخرية الدبلوماسية

A A
هل حقًاً ينبغي للدبلوماسي أن يتسم دومًا بالجدية والرصانة - أو حتى الصرامة- في حديثه وتعامله مع الآخرين، أم أن من الأنسب والمفيد أن يتمتع بقدرٍ من حس الفكاهة وروح النكتة؛ ومهارة استخدامها في المواقف المختلفة؟.

ربما تكون الإجابة الأكثر بساطةً وأمانًا على هذا السؤال هي: أن هذا الأمر يختلف من بلدٍ لآخر وفقًا لنمط سياسته الخارجية، أو وفقًا لطبائع وعادات الناس في ذلك البلد، أو يمكن القول بأنه يختلف من موقف لآخر، حيث تتطلب بعض المواقف وبعض المواضيع جديةً في التناول، ولغةً دبلوماسية موزونة ورزينة، في حين تسمح مواقف ومواضيع أخرى بقدرٍ أكبر من المرونة في الرد والتعامل.

وبالرغم من أن هذا الموضوع يبدو للوهلة الأولى بسيطاً، وتسهل الإجابة عليه، إلا أنه في الواقع يعتبر مثَارًا للعديد من البحوث والكتب؛ والمقالات المتخصصة التي تناولته بمزيدٍ من التحليل والتفصيل. ومن أحدث الدراسات بهذا الخصوص، دراسة صدرت في نوفمبر 2023 أجراها الدكتور Dmitry Chernobrov - أستاذ الإعلام والعلاقات الدولية بجامعة شيفيلد البريطانية-، بعنوان: (إستراتيجية السخرية وما بعد الحقيقة في الدبلوماسية العامة)، واشتملت الدراسة على تحليل للكيفية التي استخدمتها روسيا بتوظيف «إستراتيجية السخرية» عبر إعلامها الخارجي ودبلوماسيتها العامة، وذلك للتصدي للحملات الغربية، والاستهزاء بالعقوبات الاقتصادية التي تُمَارَسْ ضدها. كما سعت الدراسة للتعرف عموماً على إيجابيات وسلبيات هذه الاستراتيجية، وكيفية استخدامها كأداة من أدوات الدبلوماسية العامة الرامية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول، وتشتيت الانتقادات، وتعزيز مشروعية القرارات، ومقارعة حجج المنافسين.

وقد تحدثت في كتابي: (الدبلوماسية العامة، القوة الناعمة السعودية في عصر ثورة المعلومات) عن هذه الإستراتيجية، وإمكانية استخدامها من قبل السفراء والدبلوماسيين للرد على الحملات والإساءات الإعلامية، مشيراً لكون هذا الأسلوب يمكن أن يتسم بالفاعلية، ويحفز على انتشار الرد بشكل كبير، ويقلل من مصداقية وأهمية الخصم، غير أنه ينبغي التأكد من عدم المبالغة في استخدامه، لكون ذلك قد يعطي انطباعاً عكسياً غير إيجابي عن القائم به، خاصةً عندما يتم استخدامه في مواقف تتسم بالجدية، ولا يتقبل الجمهور التعامل معها بتهكم أو استهزاء. فعلى سبيل المثال قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان -مازحا- في كلمة للشعب الأمريكي منقولة إذاعياً: «يسرني إخباركم بأنني وقعت اليوم تشريعًا يجعل من روسيا دولة خارجة عن القانون للأبد، وسوف نبدأ بالقصف خلال خمس دقائق».. ولاقت كلمته هذه استنكاراً وعدم قبول واسع، وذلك بالرغم من كونه أحد أكثر الرؤساء شعبية لدى الأمريكيين، وهي شعبية تُعْزَى أحد أسبابها لمهارته في الحديث، وتمتعه بدرجة عالية من الفكاهة والمرح.

وبالإضافة للإعداد والتدريب الجيد، فإن نجاح هذا الأسلوب يتطلب أيضاً قدرات شخصية، تشمل ملَكًةْ القبول (الكاريزما) وسرعة البديهة وروح النكتة، وهي جميعاً أمور يمكن دومًا العمل على تطويرها وتنميتها كجزء من مهارات التواصل والتفاعل الإعلامي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store