Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

دبــــــــــوس

A A
تتميز بعض من أسماء العمليات العسكرية أو الاستخبارية السرية عبر التاريخ بخفة دم لا تعكس طبيعتها.. ومقال اليوم يتناول عملية عجيبة باسم «الدبوس»، للاستفادة من خبرات فنية حربية في مجال تصميم وتصنيع وتشغيل الصواريخ.. في يناير عام 1945 في مرحلة بداية النهاية للنازية، خلال الحرب العالمية الثانية، تقهقرت القوات الألمانية تحت ضغوط من قوات الحلفاء.. الأمريكان والإنجليز من جانب، وقوات الاتحاد السوفيتي من جانب آخر.. وكعادة نهاية الحروب يتم النظر للغنائم بحرص، ومن أكبرها في تلك الأيام كانت مجموعات العلماء، والتقنيات المتقدمة في مجالي الفضاء والطيران، والتي تفوقت فيها ألمانيا على الجميع، وبالذات في مجالات تصميم أشكال وأحجام ومعادن الصواريخ، وأنواع الوقود، وأجهزة التحكم والثبات، والملاحة الجوية والفضائية، وغيرها.

تنافست قوات الحلفاء على كسب أكبر عدد وأفضل مؤهلات ألمانية قبل نهاية الحرب، وخصوصاً أن معظم تلك الكوادر كانت مُركَّزة في بلدة «بونا مونده»، في شمال ألمانيا.. حصلت أمريكا على مجموعة تتكون من حوالى 1600 من العلماء والمهندسين والفنيين من مختلف التخصصات والخبرات، لتشمل الكيمياء، والطب، والتصنيع، وغيرها من التخصصات.. وبدأت العملية الغريبة لهجرة وتوطين مجموعة علماء، ومنهم نجوم علماء الصواريخ.. وفي المقابل، بدأ الاتحاد السوفيتي ببرنامج «أوسيوفاكيم»، بمعنى «جمعية دعم الدفاع والطيران والصناعة»، لهجرة وتوطين آلاف العلماء والفنيين الألمان لدعم أسس برامج الفضاء والعلوم المتقدمة في بلادهم.. كانت لتلك المجموعات بصمات مميزة في الشرق والغرب في تطور قطاع الطيران والفضاء العالمي، وفي سباق الفضاء الشرس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

جدير بالذكر أن أبرز نجوم تلك المجموعة كان العالم الألماني «فون براون»، الذي لعب أحد أهم الأدوار في برنامج الفضاء الأمريكي منذ نشأته، قبل إنشاء وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».. وتحديداً، كان ممَّن طوَّر صاروخه الألماني من طراز «أي 4» الألماني، ليصبح أول الصواريخ الأمريكية.. ثم ساهم في تأسيس الإطار العلمي لوكالة الفضاء الأمريكية، ثم تصميم صواريخ البرامج الفضائية «رد ستون»، ثم «مركوري»، ثم «جيمني»، ثم «أبوللو».. وصمم أيضاً صاروخ «ساتورن» الأكبر حجماً والأكبر قوة في تاريخ الفضاء، وكان من ركائز وصول سبعة وعشرين رجلاً إلى القمر في تسع رحلات مختلفة.. وهبوط درزن منهم على سطحه. وكان «فون براون» يقود فريقه العلمي المكوَّن من علماء، ومهندسين، وفنيين ألمان، علماً بأن العديد من أعضاء الفريق تم تجميعهم خلال آخر أيام الحرب العالمية الثانية.. من المستشفيات، والخنادق، والمخابئ، والمعامل، والمصانع، وأنقاض المدن.. وتم توطينهم في الولايات المتحدة، وبالذات في ولايتي «نيو مكسيكو» و«ألاباما».. وللعلم، فبعض منهم كانوا من النازيين العتاة.. يعني من «بعابع» النظام النازي.. أي جمع «بعبع».. وبالرغم من ذلك، تم توطينهم في الولايات المتحدة بوظائف مرموقة، ومنازل لأسرهم، ومدارس لأبنائهم، وهويات جديدة، وفي العديد من الحالات بأسماء متأمركة لإخفاء ماضيهم.

* أمنيـــــة:

بشاعة الحروب لا تقتصر على الخسائر في البشر والحجر.. فهناك ما يتبعها من خسائر الجروح الجسدية والنفسية، ودمار العمران بعد الصراعات المسلحة، ومنها أيضاً الاستيلاء على الغنائم بأشكالها وألوانها المختلفة..أتمنى أن يدرك العالم أن العديد من غنائم الحرب على الأبرياء في غزة؛ قد سلبت من الضمير العالمي إنسانيته، حيث شَهِد ولم يتحرك خلال فترة مائة وخمسة عشر يوماً، أو حوالى 165 ألف دقيقة الماضية، كل منها تشهد على الخسائر الإنسانية الهائلة.. والله يشهد على ما يفعلون، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store