Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

ومع كل ذلك.. اخترتُ الوعي!

A A
الوعيُ، يُعطيكَ رفاهيةَ تفسيرِ اختياراتِكَ أو تبريرِهَا، وبهِ قد تظنُّ أنَّكَ حرٌّ في تحديدِهَا.. لكنَّ خيارتكَ في الحقيقةِ تشكَّلت في اللَّاوعي، دونَ أنْ يكونَ لكَ سيطرةٌ عليهَا. فاختياراتُكُ، نتاجُ ظروفِكَ وتجاربِكُ، وما سبقَ أنْ احتلَّ عقلَكَ. عمومًا، الوعيُ والإدراكُ وصدْمةُ المعرفةِ، يُمكنُ أنْ تُحرِّرَ الإنسانَ من قيودِهِ الفِكريَّةِ وثقافةِ القطيعِ، لكنْ مع احتمالِ أنْ تتركَهُ غريبًا في مُجتمعِهِ، معزولًا بينَ أهلِهِ، في مواجهةٍ مُنفردةٍ مع الوعيِ الزَّائفِِ لدى جماعتِهِ.. إنَّها مُعضلةٌ!.

ومع مُرورِ الأيَّامِ والتجاربِ، يتعزُّز لديَّ الانطباعُ بأنَّ الشهادةَ العلميَّة، أو الدرجةَ الأكاديميةَ ليست مُرتبطةً باتِّساعِ الأفقِ، أو ارتفاعِ الوعيِ، وتنوُّع الثَّقافة بالضَّرورةِ.. فالمرءُ مدفوعٌ في فِكرِهِ وسلوكِهِ عادةً بدوافعِ العُقدِ النفسيَّةِ، وظروفِ التَّربيةِ والثَّقافةِ الاجتماعيَّةِ، والميولِ العاطفيَّةِ والمَصلحةِ الشّخصيَّةِ، بشكلٍ يطغَى على أيِّ تعليمٍ أو شهادةٍ. كما أنَّ الواقعَ يُشيرُ إلى أنَّ ارتفاعَ الوعيِ الفرديِّ، هو الوحيدُ القادرُ على انتشالِ المُجتمعاتِ من وحلِ الجهلِ والتخلُّفِ، لكنَّ مُشكلةَ ارتفاعِ الوعيِ، أنَّه أمرٌ شخصيٌّ بدوافعَ ذاتيَّةٍ، إذ يُمكنُكَ إحضارُ الماءِ للحِمارِ، لكنْ لا يُمكنُكَ إجبارُهُ على الشُّربِ!.

إنَّ مُعظمَ الإنجازاتِ العظيمةِ للفِكرِ، وأكثرَ روائعِ الحِكَمِ والفلسفةِ والتَّنويرِ، تأتِي في صُوَرِ إيحاءاتٍ غيرِ متوقَّعةٍ، وإلهامٍ مؤقَّتٍ يأخذُ بالألبابِ، وقريحةٍ تتحكَّمُ في الوعيِ والأفكارِ، في أثناءِ عُزلةٍ عظيمةٍ. لذلك، يبقَى الوعيُ الفرديُّ والتأمُّلُ الشخصيُّ والاطِّلاعُ المُستقلُّ، وسلوكُ الإنسانِ الناتجِ عن ذلكَ، غاياتٌ وأُسسٌ ضروريَّةٌ، وتظلُّ تنميةُ المَواهبِ الذَّاتيَّةِ عبرَ وسائلِ الحُريَّاتِ والتعليمِ والتربيةِ، الأساسَ في تطوُّر ما نسمِّيه الوعي المُجتمعي.

مُعضلةُ الإدراكِ، أنَّه لا يُمكنُكَ التَّراجعُ عنه إطلاقًا.. وسوف تضطرُّ لإكمالِ بقيَّةِ الطَّريقِ، وإنْ حَبْوًا.. وإلَّا، سوفَ تُصبحُ مثلَ كثيرٍ من النَّاسِ العالقِين وسْطَ الطَّريقِ!، كمَا أنَّ ارتفاعَ الوعي وقوَّةَ الإدراكِ ودقَّةَ الفَهمِ، مرتبطةٌ بالإصابةِ بالإحباطِ ومشاعرِ الحُزنِ والحيْرةِ، وشيءٍ من خيبةِ الأملِ.. فكُنْ مُستعدًّا. يقولُ الفيلسوفُ الوُجوديُّ «سورين كيركجارد»: (تعتمدُ حدَّةُ وشدَّةُ اليأسِ على درجةِ الوعيِ والشُّعورِ، أو لنقُلْ إنَّها تتناسبُ طرديًّا مع زيادةِ الشُّعورِ والوعيِ.. أي أنَّه كُلَّما ازدادتْ درجةُ الوعْيِ والشُّعورِ، ازدادتْ حِدَّةُ اليأسِ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store