Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

ســــــــــموم

A A
لا نعلمُ عددَ ضحايَا السُّمومِ عبرَ التَّاريخِ، ولا نعلمُ نسبةَ نجاحِ القتلِ بالسُّمِّ «الهارِي»، سواءٌ كانَ ذلك في عالمِ السِّياسةِ، والجاسوسيَّةِ، وفي بعضِ العلاقاتِ الزَّوجيَّةِ، والعلاقاتِ التجاريَّةِ، والأُسريَّة. كلُّها معلوماتٌ تعكسُ سلوكيَّاتٍ بشريَّةً داكنةً في عالمِ الانتقامِ والخداعِ. ولكنَّنا نعلمُ أنَّ فنونَ السُّمومِ كانتْ نشطةً ومنتشرةً حول العالم، وأنَّ طُرقَ تقديمِهَا تستخدم العديد من الوسائلِ الإبداعيَّة الشريرةِ، من الدَّسِّ في المأكولاتِ المشبَّعةِ بالبهاراتِ، إلى الإضافةِ إلى المشروبات الحادَّة الطَّعم، والدَّسِّ في مستحضرات الزِّينة والمكياج، ومنها على سبيل المثال: إضافات الرِّصاصِ السَّامِّ للكحلِ، والزَّرنيخ الفتَّاك لتفتيح البشرةِ. وهناكَ -أيضًا- ممارساتٌ في عالمِ الغذاءِ والدَّواءِ، مثل: استخدام الزِّئبق، والأنتمون، والرَّادون المشعِّ للصحَّة والحيويَّة والنَّشاط.. ولا ننسَى عالمَ المنشِّطاتِ التي أصبحتْ من المخاطرِ الكبيرةِ في عالمنَا اليوم، علمًا أنَّ بعضًا من خلفيَّاتها غريبةٌ جدًّا، فقد كانتْ من مكوِّنات الماكينة الحربيَّة النازيَّة خلال الحربِ العالميَّة الثَّانية، وتحديدًا باستخدامِ الموادِّ المنشِّطة المختلفةِ الشَّبيهةِ بمخدِّر «الشَّابو»، و»الكبتاجون»؛ لتجديد الطَّاقة، واللياقة البدنيَّة. تمَّ إضافتهَا في الحلوَى، فقُدِّمت في شوكولاتة «هلدبراند» Hildebrand، وفي حبوبِ «برفتين» Perevtin، التي كانت تُوزَّع بالمجَّانِ في القواتِ المسلَّحة النازيَّة، أو تُباع بأسعارٍ منخفضَّةٍ للشَّعب.. والمخدَّرات مثل الأفيون، التي انتشرتْ في مجتمعِ الصِّين خلال القرن التاسع عشر؛ بسببِ السِّياسةِ الاستعماريَّةِ لترويجها. ومن أهمِّ فنونِ نشرِ السُّمومِ هي إخفاءُ الضَّرر، بل إنَّ من أهمِّ خصائص السُّموم الفتَّاكة نفسها هي إخفاءُ أضرارِهَا. يعني بعض السُّموم قويَّة المفعولِ تمارسُ «البكش» في أقوى أدوارِهِ؛ لتخدعَ جسمَ ضحيَّتها، وتنتحلَ شخصيَّة عناصرَ أُخْرى مسالمة، لتصبح مثل المنافقين المخرِّبين بداخل الخلايا.. وإليكم بعض الأمثلةِ:

سمُّ الزَّرنيخ «الهاري»، ليسَ لهُ طعمٌ ولا رائحةٌ، ويُدمِّرُ خلايا ضحاياه بجرعاتٍ بسيطةٍ جدًّا، ولكنَّ المُخيفَ هو أنَّه يدخلُ الجسمَ «بتأشيرةٍ» مسالمةٍ، وينتحلُ شخصيَّة الفوسفاتِ الضروريِّ للصحَّة، إلى أنْ يتمكَّن فيفترس، ويُدمِّر، ويقتل.. وأمَّا عنصرُ «الثاليوم» القاتل، فهو أيضًا بدون رائحةٍ أو طعمٍ، ويدخلُ الجسمَ بتأشيرةٍ سليمةٍ، فلا يسبِّبُ الرَّفضَ في أيٍّ من المحطَّات المهمَّة، سواءٌ كانَ بالقيء، أو الحساسيَّة، أو المغصِ الشَّديدِ، بل وينتحلُ شخصيَّة عنصر «البوتاسيوم» الضروري للصحَّة، ولكنَّه يُسبِّب الدَّمار العنيف للخلايا، ويُسبِّب الموتَ المؤلم بجرعاتٍ بسيطةٍ، وكأنَّه قواتُ تخريبٍ خاصَّة.. وأمَّا عنصر «البولونيوم» فهو من العناصرِ المشعَّةِ التي لا تحتاجُ إلَّا لكميَّاتٍ ضئيلةٍ للدَّمار؛ ممَّا يجعلها سهلةً نسبيًّا في التَّنفيذ، ولكنَّها صعبةٌ في المقاومةِ من الجسمِ، وفي التعرُّف من السُّلطاتِ المختصَّةِ.. والكميِّات الخطيرةِ لقتلِ الإنسانِ، هي أقلُّ من عُشر محتوَى كيسِ شاهي «ربيع».

* أمنيـــــــة:

تغلغلُ السُّموم في المجتمعاتِ يُمثِّل إحدى كُبْرَى المخاطر على البشريَّة، وتقبُّل البشرِ لتلكَ السُّمومِ، هو الخطرُ الأكبرُ لانتشارِهَا.. واليوم نشهدُ -وبكلِّ حزنٍ- العديدَ من السُّموم الجديدة حول العالم، التي تُهدِّدُ حياةَ البشرِ بطُرقٍ مختلفةٍ، ومنها سمومُ الفكرِ، فالحربُ ضدَّ أهالي غزَّة تعكسُ تسمُّم العديدِ من العقولِ، التي لا ترَى أنَّ هذِهِ حربَ إبادة ضدَّ الشَّعبِ الفلسطينيِّ، وأنَّها صفعاتٌ مؤلمةٌ للبشريَّة بأكملها.. أتمنَّى أنْ يفيقَ العالمُ؛ ليوقفَ هذِهِ التَّجاوزاتِ ضدَّ الأبرياءِ، وأدعُو اللهَ -عزَّ وجلَّ- أنْ يأخذَ بأيديهم، وهُو من وراءِ القصدِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store