Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

قضايا مفهومة.. وآراء غير مفهومة !

الحياة شبكة غير منتهية من الحوادث والقصص والوقائع، وعند التأمّل في أسبابها وآثارها ونتائجها، يكاد يتفق كل العقلاء والحكماء على ما يُقال عنها (أسباب، وآثار، ونتائج).

A A

الحياة شبكة غير منتهية من الحوادث والقصص والوقائع، وعند التأمّل في أسبابها وآثارها ونتائجها، يكاد يتفق كل العقلاء والحكماء على ما يُقال عنها (أسباب، وآثار، ونتائج). لكن ماذا لو بدأ فريق يجادل هنا وهناك لعرض أسباب جديدة -وحُقّ لهم في الأصل ذلك- لكنها لا تستند إلى حقيقة الواقع، ويبنون عليها تصوّرات وهمية؟!.
فقضية مثل “الشورى” -كمبدأ- لا يشك أحد في دورها وأثرها في المجتمعات، لكن عندما تُغتال القرارات، ويتفرّد بها بعض الأشخاص في كل قول وفعل، فهنا ستنعدم لغة الحوار وفكرة الشورى، وقل مثل ذلك في قضايا أخرى كثيرة، فعندما يُؤتى بنصوص شرعية، وشواهد من فهم قمة سامقة لفقهاء الأمة، ثم يأتي قوم ليعادلوها بفتاوى لبضعة أشخاص، أو مجرد نقولات غير منهجية بلفظ الاتفاق أو الإجماع، فهنا سيتعطّل كل رأي. وقضايا أخرى تتعلق بالوسائل الاجتماعية في حياة الناس، وضرورة تنظيمها لصالح الناس، ثم تجد مَن يمانع ذلك لمصالح فكر معين.
وفي ظل هذا التفكير تظل طوائف من عامة الناس قابعة في نمط تفكيري منحاز، يؤججه الإعلام الجديد، والقنوات الموجهة. والسؤال هنا: كيف يمكن الخروج من هذا (الدوران)، أو النقاش في (فراغ اللاشيء) كما يقول أحد المفكرين الجزائريين؟!.
والجواب هو التفصيل النظري، والتطبيق العملي!! ومن شواهد توضيح ذلك الأحاديث النابعة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي ظهر منها امتناع الصحابة عن تطبيق بعض الأفعال التي طلبها منهم، حتى رأوه يشاهدها فاقتنعوا، وطبّقوا بعد ذلك ما فعل. ومثل ذلك من المعاصرين ما فعله الشيخ عبدالعزيز بن باز من طلبه الاشتراك في (مجلة المجتمع)، رغم كثرة الصور التي فيها، وإفتائه بحرمة التصوير، لكنه رأى أن ما فيها من صور معبّرة عن حال المسلمين يمكن النظر إليها بفقه مختلف.. وكذا ما فعله الشيخ محمد العثيمين من حضوره دعاء ختم القرآن بالحرم المكي، رغم رؤيته الفقهية الواضحة (ببدعية) هذا الفعل، لكنه رأى غيره يخالفه الفتوى، مع نظره للمصلحة فحضر الصلاة، وشكر مَن دعا أمام الملأ في الحرم!.
ومن أطرف قصصه لبسه للعقال أمام سائل سأله عن حكم لبس العقال، وحضوره لمسرح إحدى المدارس، ومشاهدته لمسرحية هادفة، وقوله: إن هذا المشهد أبلغ من ألف خطبة.
بل حتى في الجانب الدعوي السياسي ذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي قصَّة هزته عندما كان (وفديًّا) وسمع بالشيخ حسن البنا، وتدريسه القرآن يوم الثلاثاء، فتحوّل عن وفديته بعد قصة مفادها: أن رئيس الوفد أرسل شابين بمتفجرات في درس الثلاثاء لاغتيال الشيخ حسن البنا، وعند دخولهم المركز تنبّه بعض الشباب لهم فقبضوا عليهم وبحوزتهم المتفجرات، فلمّا حجزوهم في إحدى الغرف، وأخبروا الشيخ حسن البنا، سلَّم عليهم، واتّصل على رئيس الوفد وقال له: “لديّ بعض الشباب، فإن شئت أتيت لاستلامهم، وإن شئت أتينا لك بهم”، ولم يزد على ذلك حرفًا، كما قال د. محمود في الجامع في كتابه (وعرفت الشعراوي)!.
وقصة أخرى حدثت الأسبوع الماضي معي عند زيارتي لموريتانيا، وحضوري مؤتمر (حداء الصحراء للشعراء والمنشدين)، إذ تحدث العلامة الشيخ محمد الحسن الددو عن أهمية الشعر والإنشاد، وأثرها في حياة الناس وسلوكهم، ثم تكلّم عن حكم الإيقاعات الصوتية، والآلات الحديثة، وحضر المهرجان الإنشادي، ونزل على المسرح، وكرّم الضيوف.
إن ثمة أزمة حقيقية يمارسها الكثير من الاقتناع بأعمال ترضي الله، متوافقة مع الشرع، ومعينة لفهم الدّين للكثير من الناس، في حين يمتنعون عن القول بها لبعض التوقعات التي لا يسندها رأي ديني، ولا فهم حقيقي لطبيعة الناس، والمتغيرات في العصر، فضلاً عن دورها وأثرها في الحِراك الاجتماعي، بينما قد تجدهم يطيلون الكلام عن المحترزات، وسد الذرائع كأنها الأصل لكل تفكير ومشروع. وصدق “روسو” عندما قال: “النخبة تعرف الحقيقة ولا تحبها، والعامة لا تعرف الحقيقة وتبحث عنها”.
ali@4shbab.net

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store