Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الابتكارات المدمرة

A A
ربَّما يشعرُ البعضُ بالانزعاجِ عندَ قراءتِهم لعبارة «الابتكارات المدمِّرة»، وقد يكونُ أوَّل ما يخطرُ على بالهِم هنا، هو ابتكاراتٌ مثل الدِّيناميت، والمُسدَّس، والقُنْبلة النَّوويَّة، أو حتَّى فيروسات الحاسبِ ورسائله المتطفِّلة. ولكنَّ الواقعَ هو أنَّ مفهومَ الابتكاراتِ المدمِّرة المقصود، هو مفهومٌ مختلفٌ، يحملُ أهميَّةً كبيرةً، ويمكنُ أنْ ينتجَ عن إغفالِهِ وعدم إدراكِهِ الكثيرُ من الضَّرر. فسواء كنت تعملُ في مجال الصِّناعة أو التِّجارة، أو التَّعليم أو الصَّحافة والإعلام، أو حتَّى السِّياسة والاقتصاد والزِّراعة، فأنتَ بحاجةٍ لمعرفةِ وفهمِ هذا المفهوم، وكيفيَّة التَّعامل معه، خاصَّةً في ظلِّ التَّطورات والتَّغيُّرات السَّريعة والمُذهلة التي نعيشها اليوم في مختلفِ المجالاتِ.

مفهومُ التِّكنولوجيا المدمِّرة، قدَّمه -لأوَّل مرَّة- البروفيسور كلايتون كريستينسين عام 1995م، ثمَّ قام بتطويرِهِ لاحقًا عام 1997م، وسمَّاه الابتكاراتِ المدمِّرة Disruptive Innovations.

والابتكاراتُ المدمِّرة هو مصطلحٌ يشير إلى الابتكاراتِ التي تخلقُ أسواقًا جديدةً، وشبكةً من القِيم، وتتسبَّب في النِّهاية بتعطيلِ أو تدميرِ الأسواقِ وشبكةِ القِيم الحاليَّة لمجالٍ أو مجالاتٍ معيَّنةٍ. وقد اعتُبِرَ هذا المفهومُ أحدَ أكثر الأفكارِ تأثيرًا في مطلعِ القرنِ الواحدِ والعشرِين.

هذه الابتكاراتُ أو التكنولوجيا ينتجُ عنها تحويلُ السِّلع والخدماتِ المعقَّدة وباهظةِ الثَّمن، إلى منتجاتٍ أرخصَ وأبسطَ وأصغرَ، ويمكن استخدامها بتكرارٍ وسهولةٍ، وبشكلٍ أكثر مناسبة لاحتياجاتِ المستخدِمين، وهي بالتَّالي تستحوذُ -في نهاية المطاف- على الأسواقِ الحاليَّة، وتتسبَّبُ في انهيارِ أو «دمارِ» الأسواقِ القديمةِ. ومن أمثلة هذه الابتكاراتِ: الترانزستور، الإنترنت، أمازون، نتفليكس، الهواتف الذَّكية، والذَّكاء الاصطناعي.

ويرى Christensen أنَّ هناك ثلاثَ طُرقٍ للتَّعامل النَّاجح مع الابتكاراتِ المدمِّرة وهي:

1- الدُّخولُ المبكِّرُ للسُّوقِ: فالمديرون ينبغي عليهم التحرك فور ظهور «تكنولوجيا مدمرة»، والبدء بالتعرف عليها، وإدراك تأثيراتها، وتجربتها بأسرع وقت. حيث يعتبر ذلك خطوة مهمة للنجاة، في حين أنَّ التأخير والتردد وإضاعة سنين طويلة في التفكير، أو إنكار وجود المشكلة، يمكن أنْ ينتج عنه خسارة كبيرة، أو حتى نهاية للمنظمة. وليس بخافٍ على الجميع قصة انهيار شركة «نوكيا»؛ نتيجة المكابرة، وفقدان الرؤية، وعدم القدرة على قراءة وفهم تغيرات السوق والتكنولوجيا ورغبات العملاء.2- إجراءُ بحوثِ التَّسويقِ على العملاءِ الحاليين، وهذه خطوةٌ يجبُ على مديري التَّسويق القيامُ بها بشكلٍ مباشرٍ وسريعٍ.

3- الفصلُ بين العمليَّات التقليديَّة الحاليَّة، والعمليَّات الجديدة، والسَّماح للمديرين المعنيِّين بإجراءِ التَّجاربِ والتَّدريبِ والاختباراتِ؛ لفهم التكنولوجيا الجديدة، والتَّعامل معها.

ويرى Christensen بأنَّه لو اتَّضح أنَّ القرارَ الأنسبَ هو إنهاءُ الأسلوبِ القديمِ في العملِ كليًّا، والتحوُّل للجديدِ، فإنَّه ينبغي اتِّخاذ ذلك القرارِ دون تردُّدٍ.

باختصارٍ، فإنَّ الشَّركات التي لا تتَّخذ إجراءاتٍ سريعةً وجادَّةً حيال «الابتكاراتِ المدمِّرة»، سوف تموت وتنتهي لا مَحَالة، في حين يمكنُ للشَّركات التي تنجحُ في الاستجابةِ والتَّأقلم بأنْ تنعمَ بالنَّجاةِ، وبفرصٍ أكبرَ للرِّبحِ والنُّموِّ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store