Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

لماذا الخُلع ليس كالطَّلاق «ثلاثًا»؟!

A A
أكثرُ أمرين رائجين اجتماعيًّا -اليوم- في القضايَا الأُسريَّة هما: الطَّلاقُ، والخُلعُ، وليسَ الخُلعُ كالطَّلاقِ كما نعلم، ولا مَن تخلع كمَن يُطلِّق، فهناك اختلافٌ فقهيٌّ ومجتمعيٌّ بينهما، فمثلًا الطَّلاقُ في الحيضِ لا يقعُ، بينما في الخُلعِ يقعُ، وكذلك الطَّلاقُ إذا تمَّ في إغلاقٍ لا يقعُ، بينما في الخُلعِ يقعُ، وأشياء أُخْرَى فقهيَّة ومجتمعيَّة كثيرة.

وقد اتَّصلتْ سيِّدةٌ مخلوعةٌ بأحدِ المشايخ تسألُ: هلْ لها بعد الخُلعِ من رجعةٍ؟ فكانتْ إجابتهُ الإجابة الشَّرعيَّة بأنْ يمكنُ أنْ تعودَ لزوجِهَا، لكنْ لابُدَّ من عقدٍ جديدٍ، ومهرٍ جديدٍ، ولا يُشترط -كما يظنُّ البعضُ- أنَّها لابُدَّ أنْ تتزوَّج زوجًا غيرَهُ، كما هي الحال في طلاقِ البينونةِ الكُبْرَى، وهذا من الفروقِ بين الطَّلاقِ والخُلعِ، ويكونُ اشتراطُ أنْ تتزوَّج زوجًا غيرَهُ في حالِ كونِ الخُلعِ جاءَ بعد طلقتَين فقط، فالخُلعُ يُصيِّرهُ بينونةً كُبْرَى إنْ سبقه الطَّلقتان، ومن هنا يأخذُ الخُلعُ حكمَ الثَّلاث مرَّات.

إنَّ من العدل الإلهي بين الزوجين، إنْ لم يتفقا، فلكل منهما رغبته، إما بيد الرجل بالطلاق، أو بيد المرأة بالخلع، وكلاهما أباحه شرع الله، لكن لم يحث عليه، بل طلب أنْ يسلك الزوجان ما أمكن من مسالك الصلح، والتريث، وتحكيم العقلاء من الطرفين، ولكن إنْ وصل الأمر أنْ لا سبيل للعيش بينهما، فالرجل يطلق، والمرأة تخلع؛ حرصاً ألا يفرط أحد منهما بحقوق الآخر، فيأثم عند الله.

جاءتْ امرأةُ ثابت بن قيس، إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فقالتْ: يَا رسولَ اللهِ، ثابت بن قيس ما أعتبُ عليهِ في خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، ولكنِّي أكرهُ الكُفرَ في الإسلامِ!، فقال لها: أَتَرُدِّينَ عليهِ حديقتَهُ؟ قالتْ: نعمْ، فقالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لثابت: اِقْبَلِ الحديقةَ، وطلِّقهَا تطليقةً!، وكانَ هذَا أوَّلَ خُلعٍ في الإسلام، وقولها أكرهُ الكفرَ في الإسلامِ، قصدتْ كفرانَ العشيرِ، وهو تقصيرُهَا في حقِّ زوجِهَا، والملاحظُ أنَّ توجيهَ الرَّسولِ حقَّقَ طلبَ الصحابيَّةِ من خلالِ تطليقِ زوجِهَا لهَا، وأنْ تكونَ تطليقةً، وذلك يُسترشدُ بهِ في الحياةِ الاجتماعيَّةِ والقضائيَّةِ بأنْ تُترك مساحةٌ لمراجعةِ النُّفوس، وهو ما تتمثَّله كثيرٌ من جهاتِ القضاءِ بأنْ تُحال ملفاتِ الزَّوجين إلى لجانِ الإصلاحِ والإرشادِ؛ للقيامِ بالصُّلحِ؛ لأنَّ الصُّلحَ فيه خيرٌ، ولكنْ في النِّهايةِ هو أنَّ الخُلعَ من حقِّ المرأةِ إنْ قرَّرت ذلكَ، والخُلعُ أقسَى في التَّعبيرِ من الطَّلاقِ، وما تصلُ إليهِ الزَّوجةُ إلَّا بعد أنْ تكونَ قدْ كرهَتْ الزَّوجَ؛ لذلك فإنَّه من الأمورِ التي يكونُ فيها القرارُ نهائيًّا لا رجعةَ فيهِ، لذلك هو ليسَ كالطَّلاقِ ثلاثَ مرَّاتٍ، ويبقى على التي قرَّرت الخُلعَ عليهَا أنْ تتحمَّل نتائجَ عملِهَا، فلا رجعةَ بعد الخُلعِ؛ لأنَّ ليسَ هناكَ رجلٌ يعي أنْ تخلعهُ امرأتُهُ في المحكمةِ، ثمَّ يعودُ إليها؛ لأنَّ ذلك يتنافَى مع معنى الرُّجولةِ، وفي النِّساءِ مغنى عنها، لكنَّ الأسوأَ حالًا ومألًا أنْ تُقدم امرأةٌ في عمرِ السِّتين أو السَّبعين عامًا في خُلعِ زوجِهَا! فهل هذا من شِيمِ الوفاءِ؟ أمْ أنَّه من الحالةِ المَرَضيةِ المزمنةِ التي طالَ ليلُها على الزَّوجةِ، تتحمَّل فيها ما لَا طاقةَ لهَا بِهِ؟ أمْ أنَّه بسببِ تحريضِ الشلَّةِ والوسط التي تعيشُ فيه الزَّوجة، أو أسباب أُخْرَى؟ وكذا السُّؤال الأوسع هدمًا للمجتمعِ: لماذا تخلعُ الشَّابَّةُ العروسةُ زوجَهَا، وهي لمْ تُكملْ سنةً معه؟ هذا مَا سأوضِّحهُ في مقالٍ آخرَ -بإذنِ اللهِ-.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store