Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الإسراء والمعراج جسدًا وروحًا!!

A A
لو قلنا هذه الأيَّام إنَّ هناك شخصًا عاديًّا يمكنُ أنْ يسافرَ من مكَّة إلى القدس -ذهابًا وإيابًا- في ليلةٍ واحدةٍ، هل هناك مَن ينكرُ ذلكَ ويكذِّبه؟!

إنَّ عالمَ الطَّيرانِ اليومَ يعجُّ بالطَّائراتِ التي تربطُ العالمَ المتباعدَ، ويسيرُ فيها الرَّاكبُ متنقِّلًا بينَ عدَّة عواصمَ عالميَّةٍ في ليلةٍ واحدةٍ، فالسَّفرُ إذًا بينَ مكَّة والقُدس بالطَّائرة -ذهابًا وإيابًا- يتمُّ في ساعاتٍ وليسَ ليلةً، فهلْ بعدَ أنْ يتأكدَّ بالنَّصِّ القطعيِّ الثُّبوت، وقطعِي الدِّلالة في قولِهِ تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) يُقبلُ من أحدٍ أنْ يؤوِّلَ النَّصَّ إلى أنَّه بالرُّوحِ فقط دونَ الجسدِ، فالإمكاناتُ محدَّدةٌ بقدرةِ اللهِ عبرَ البراقِ، والمسافةُ محدَّدةٌ بينَ مكَّة والقُدس، والمحمولُ محدَّدٌ هو عبدالله محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في قولِهِ تعالى (بِعَبْدِهِ) فهل بعدَ هذَا التَّحديدِ يُقبل من تأويلِ غير أنْ يكونَ هذا العبدُ أُسْرِي بهِ بالجسدِ والرُّوحِ معًا؟ ثمَّ إذا أمكنَ لهُ أنْ يسرِيَ اللهُ بِهِ بهذِهِ السُّرعةِ ألَا يمكنُ أنْ يصدِّق بمَا جاءَ تفسيرًا في سورةِ «النَّجم» من أنَّ معراجَهُ قد تحقَّق كذلك بالجسدِ والرُّوحِ، خاصَّةً هناك أحاديثُ عديدةٌ صحيحةٌ تذكرُ قصَّةَ المعراجِ ولقائِهِ بإخوتِهِ من الأنبياءِ.

إنَّ جُلَّ الصَّحابةِ يؤكِّدُون أنَّ رحلةَ الإسراءِ والمعراجِ إنَّما كانتْ بالجسدِ والرُّوحِ، فاللهُ عندمَا مكَّنَ لسيِّدِنَا سليمانَ شيئًا من خلقِهِ، جاءَ بملكةِ سبأ -بلقيس- قبلَ أنْ يرتدَّ إليه طَرْفُهُ، فهلْ جاءَ بها روحًا دونَ جسدٍ، وهي التِي كشفتْ عن ساقَيهَا للدِّلالةِ الواضحةِ على أنَّها هِي بشحمِهَا ولحمِهَا قدْ وصلتْ، ثمَّ إنَّ الدِّلالةَ الكبيرةَ على أنَّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قدْ أسْرِي بهِ وأُعرجَ روحًا وجسدًا قولُهُ تعالى فيما يخصُّ الإسراءَ (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)، وفيما يخصُّ المعراجَ قولُه تعالى (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى)، فالرَّسولُ العبدُ للهِ محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- الذي أُسْري به روحًا وجسدًا مكَّنه اللهُ -سبحانه وتعالى- من رؤيةِ أشياءَ في رحلتِهِ إلى السَّماء، حيث إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ، فمَن يقرأ القرآنَ وتتأكدْ له قدرةُ اللهِ بأنَّه سخَّر مخلوقًا يحضرَ ملكةَ سبأ وعرشَهَا بأقلِّ من الثَّانيةِ، يتأكَّد له أنَّه قادرٌ -سبحانه- على أنْ يسخِّرَ مخلوقًا على شكلِ براقٍ أنْ يسرِيَ ويعرجَ بنبِّيهِ محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في ليلةٍ كاملةٍ، وهذا من المعجزاتِ، ولولا أنَّ حادثةَ الإسراءِ والمعراجِ لم تكنْ معجزةً لما جاءت نصًّا قطعيًّا في القرآن الكريم، وما فائدةُ أنْ يسري بعبدِهِ بروحِهِ فقط دون جسدِهِ؛ لأنَّ ذلك سيكونُ أشبهُ ما يكونُ بالأحلامِ والمنامِ، فأينَ المعجزةُ؟

ولماذا سمي أبو بكر الصديق بالصديق؟ لأن قريشاً بمعطياتها العلمية المحدودة كذبت محمداً، ووجدتها فرصة لإقناع أبي بكر بأن صاحبه يكذب، لكن الإيمان الذي في قلبه جعله يقول: «إنني أصدقه في أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء (يقصد الوحي) أفلا أصدقه بهذا الخبر؟».

ومن المؤكَّدِ أنَّ قريشًا لمْ تكنْ تراهنُ أبا بكرٍ على ذلك، إلَّا أنَّها تقصدُ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أخبرَهم أنَّه ذهبَ إلى بيتِ المقدسِ شخصيًّا، وعاد منها شخصيًّا في ليلةٍ واحدةٍ، وما افتتحت السُّورة بالتَّسبيح بقوله تعالى (سُبْحَانَ) إلَّا للدِّلالةِ على تعظيمِ مَن هذا شأنُه، وتلك قدرتُه (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store