Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الحبُّ.. وجبرُ الخواطرِ

A A
التَّعاملُ مع النَّاس والاضطرارُ للارتباطِ بهم خلال رحلةِ البحثِ عن الذَّاتِ في مَتاهةِ الحياةِ، لا يخلُو من التَّعقيدِ والضَّبابيَّة، وهو محفوفٌ بالأذى وكسْر الخواطرِ، لكنْ، وعلى الرُّغم من خيباتِ الأملِ في كثيرٍ من البشر، وسوءِ مَعشرِهم وأخلاقِهم، يجبُ أنْ نُقاومَ شهوةَ الانتقامِ، وأنْ نختارَ الُّلطفَ، والتَّغافلَ، والحُبَّ، ونجبرَ الخواطرَ. فقليلٌ من الّلطفِ لا يضرُّك، لكنَّ كثيرَه قدْ يُنقذُ العالَم. ينبغي أن نكونَ أكثرَ تسامُحًا مع بعضِنا بعضًا؛ لأنَّنا جميعًا بصورةٍ أو بأُخْرَى، أشقَّاءُ نتشارك مُعاناةً فظيعةً في الحياةِ.

أنا معَك.. أفهمُ كلامَك.. أتفهَّمُ مشاعِرَك.. لك الحقُّ في إحساسِكَ بالألمِ.. أشعرُ بكَ وأنا في صفِّكَ.. لا تقلقْ أو تحمل الهمَّ.. سنعالجُ الوضعَ سويًّا.. كلماتٌ لا غِنى عنها عند اعتناقِكَ لمشاعرِ أحبابِكَ الذين يمرُّون بأزْماتٍ نفسيَّةٍ أو فكريَّةٍ أو مرَضيَّةٍ.. اللُّطفُ والتَّقديرُ والتفهُّمُ، هي المطلوبةُ دومًا. يقول الدكتور «أحمد خالد توفيق»: (الدُّنيا كسَّارة خواطرِ، ولا أظنُّ أنَّ عملًا على وجهِ الأرضِ أنبلُ من جبرِ الخَواطرِ).

الحبُّ جميلٌ وضروريٌّ.. ولكن.. الأهمُّ أنْ تفهمني، أن تهَبَ لي الأمانَ والطُّمأنينةَ، أنْ تلتقطَ تردُّدات مُعاناتي حين أتألَّم.. أنْ تشعرَ بتمعُّر وجهي حين أغضبُ، أنْ تحتوينِي في حماسِي ونزَقِي، أنْ تتمَلْملَ في فراشِكَ ليلًا حين يكادُ الأرقُ أنْ يقضيَ عليَّ. إنَّ الحُبَّ الحقيقيَّ، مُوصِّلٌ فعَّالٌ للمشاعرِ والرَّغباتِ والأفكارِ والطِّباعِ والأذواقِ، وحتَّى الآلام بينَ المُحبِّين، إذ يبدُو أنَّه حقًّا «صفقةٌ كاملةٌ» في الفرحِ والتَّرحِ، والصِّحَّةِ والمَرضِ، والحياةِ والموتِ.. لذلك فهو أمرٌ نادرُ الحُدوثِ، أو لعلَّه لا يحدُثُ.. لا أدرِي!.

تذكُر بعضُ كُتب السِّيَر، أنَّ امرأةً من الأنصارِ دخلتْ على أُمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في حادثةِ الإفكِ، وبكَتْ معها كثيرًا دونَ أنْ تنطقَ بكلِمةٍ، قالتْ عائشةُ: «لا أنسَاهَا لهَا»!. أحيانًا.. يتمثَّلُ جبرُ الخواطرِ في كونِك مُشاركًا مُتعاطِفًا موجودًا موجوعًا، فحسْب.

وبالرُّغم من المآسي، والشَّقاء، والخُذلان، والخوفِ، يجبُ أنْ نُقاومَ، يجبُ أنْ نُصلِّيَ، ونغنِّيَ، ونرقُصَ، ونجبرَ الخواطرَ، يجبُ أنْ نُحبَّ.. إذْ لا مفرَّ مِن الحُبِّ، أنْ نُحبَّ بجنونٍ وشغفٍ، نُحبَّ حتَّى الفناءِ. يقولُ «جلالُ الدِّين الرُّومي»: (مِن دونِ الحُبِّ، كُلُّ الموسيقَى ضَجيجٌ.. كُلُّ الرَّقصِ جُنونٌ.. كلُّ العباداتِ عِبءٌ.. الحبُّ جسرٌ بينكَ وبينَ كُلِّ شيءٍ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store