Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

ردًا على الصهاينة: الإسراء كان إلى المسجد الأقصى بالقدس (2)

A A
انتهينا في الحلقة السابقة إلى أن كبار المستشرقين أجمعوا أن الإسراء كان من المسجد الحرام بمكة قبل الهجرة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، وأنه لم يذكر أياً منهم أن الإسراء كان إلى المسجد الأقصى في الجعرانة بطريق الطائف، إلا المستشرق البريطاني الفريد جيوم الذي قال: «إنّ المسجد الأقصى الذي أُسري بالرسول إليه، كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بـ «الجعرانة»، الذي يبعد عن مكة 50كم في السنة الثامنة للهجرة»، وهذه المقولة بها خطأ جغرافي وأخطاء تاريخية كثيرة، وهي أنّ الجِعرانة تبعد عن مكة 25كم، وأنّ الرسول الكريم ذهب من الطائف بعد موقعة حنين إلى الجعرانة سنة 8هـ، حيث قسّم غنائم هوازن، واتجه منها معتمرًا إلى مكة التي تم فتحها وأسلم أهلها.

فالنصوص السابقة واضحة وصريحة أنّ الإسراء كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، وليس إلى الجعرانة بالطائف.. وإنْ نسب البعض هذه الرواية إلى الواقدي في مغازيه، فقد أخطأوا، لأنّ رواية الواقدي كانت عن عمرة الجعرانة كما أطلق عليها سائر المؤرخين المسلمين، وإليكم نص الواقدي: «وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ الْوَادِي بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، وَكَانَ مُصَلّى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا كَانَ بِالْجِعِرّانَةِ - فَأَمّا هَذَا الْمَسْجِدُ الْأَدْنَى، فَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَاِتّخَذَ ذَلِكَ الْحَائِطَ عِنْدَهُ – ولم يجُز رسول الله الوادي إلّا مُحْرِمًا، فلم يزل يُلبي حتى استلم الركن».. وفي هذا النص نجد الآتي:

1- يتحدث الواقدي عن عُمرة وليس إسراء، فقد كان الرسول الكريم بالجعرانة بعد موقعة حنين بالطائف، وقبل عودته إلى المدينة أحرم في الجعرانة، وتوجه إلى الكعبة معتمرًا، وسُميت بعُمرة الجعرانة، وبهذا الاسم تحدث كُتَّاب السيرة والمؤرخون، والواقدي عندما ذكر المسجد الأقصى ذكر المسجد الأدنى في ذات الموقع، بينما كان العرب يُطلقون على المسجد الذي في القدس بالمسجد الأقصى لبعده عن المسجد الحرام (المسجد الأدنى)، وقد انفرد الواقدي بذكر هذين المسجدين في عمرة الجعرانة، فلم يذكرهما سواه، فهي رواية مفردة، ولم يذكر فيها مصادره.. والواقدي لا يعتد المؤرخون برواياته.

2- أنّ الإسراء والمعراج حدثا قبل الهجرة، عندما كان سيدنا محمد في مكة، حتى أنكر كفّار قريش عليه ذلك، فقالوا: «إنّ هذا القول لا يصدّق أفيذهب محمّدٌ إلى القدس ويرجع إلى مكّة في ليلة واحدة»، بينما عمرة الجعرانة حدثت بعد الهجرة بثمان سنوات، وكانت في الجعرانة وليس في مكة، والإسراء حدث وهو في مكة في عام الحزن، ويؤيد هذا ما جاء في تاريخ الطبري تحت عنوان «عمرة رسول الله من الجعرانة».

3- أنّ آية الإسراء تتحدّث عن إعجاز إلهي في قوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)، فأين الإعجاز في خروجه عليه الصلاة والسلام من الجعرانة محرمًا إلى مكة، وبسبب الإسراء ارتد بعض النّاس مستنكرين هذا الحدث، لأنّ العقل البشري – آنذاك– لم يستوعبه، فلم يُصدّقه، فأين الإعجاز في السير 25كم؟.

4- بينما الإسراء كان من مكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، ثم العروج من المسجد الأقصى إلى السماء السابعة، ثم العودة إلى مكة المكرمة في نفس الليلة ما بعد العشاء إلى الفجر، وهنا يكمن الإعجاز الذي لم يستوعبه العقل البشري آنذاك، إلا العقل المؤمن بقدرة الخالق.

5- والآية تبيّن أنّ الله قد بارك المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حوله)، ومنطقة الجعرانة بالطائف ليست منطقة مباركة، ولم يرد في كتب السيرة النبوية شيئًا عنها، والقول إنّ بالجعرانة كعبة اللات، وهي مقدّسة، فهو قول مردود، فالله لا يُعطي قدسية للأوثان ولا لأماكنها، والرسول الكريم لا يُقدس الأصنام.

6- أمّا المسجد الأقصى فحوله مبارك، لكثرة الأنبياء الذين صلّوا به، ولصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما.

وإلى جانب قدسية القدس لدى المسلمين، فهي مدينة فلسطينية عربية كنعانية، وتوجد شهادات من العهد القديم أن أورشليم اسم كنعاني عربي وليس عبري، وأنّ اليهود لم يؤسسوا القدس، فأورشليم التي تطلق على القدس كلمة كنعانية، معناها «مدينة السلام»، ووفقاً لرؤية مسيحية إنجيلية يرى شفيق مقار أنّه «طبقاً لما يقرره العهد الجديد، دعيت المدينة باسم «يروشاليم»، أو «يروساليم» الذي تحول إلى «يروشلايم»، ثم بات «أورشاليم» نسبة إلى منشئها، وملكها ملكي صادق الذي دعي بملك ساليم، أي ملك السلام».

فكيف تُقام دولة فلسطينية دون أن تكون القدس (الشرقية) على الأقل عاصمتها؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store