Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الغش الطبي: التجميل نموذجًا!!

A A
سألنِي شخصٌ: هلْ الأطباءُ يغشُّون؟! فقلتُ له: نعمْ؛ لأنَّهم بشرٌ، بلْ منهم مَن يغشُّ ويعلمُ أنَّه يغشُّ ويستمرُّ في الغشِّ ضاربًا بالقَسَم الَّذي أقسَمَ بِهِ عندمَا تخرَّج في كليَّةِ الطِّبِّ عرضَ الحائطِ، فطبيبُ النِّساءِ والولادةِ -مثلًا- الَّذي يمكنُ أنْ تُولدَ المرأةُ الحاملُ عندَه طبيعيًّا، يُولِّدُها قيصريًّا غاشٌّ لهَا في التَّعاملِ، والطبيبُ النفسيُّ الَّذي يعرفُ أنَّ مريضَهُ مجرَّد أنَّه يمرُّ بظرفٍ نفسيٍّ عابرٍ كالقلقِ مثلًا، لكنْ يجعلهُ كمريضٍ دائمٍ لديه، ويصرف لهُ الأدويةَ، وهو متأكِّدٌ أنَّه ليسَ بحاجةٍ لهَا غاشٌّ لهُ في التَّعامل، والطبيبُ الباطنيُّ عندمَا يرَى مريضًا على حافَّةِ السُّكَّري، أو الكوليسترول فبدلَ أنْ يعملَ له برنامجًا غذائيًّا وينصحَهُ بالرياضةِ يغشُّهُ بفرضِ أدويةٍ مباشرةٍ، وعددٌ من أطبَّاءِ التَّجميلِ يغشُّون في تعاملِهم ويضحكُونَ على النِّساءِ في اللَّعبِ بوجوههنَّ (شفايف، خدود، أنوف، ولغاليغ، وعيون، وجبهات) بأنَّهم يستخدمُونَ الخلايا الجِذعيَّةَ، أو يستخدمُونَ الأكسوزوماتِ في عمليَّاتِ التَّجميلِ، والحقيقةُ غيرُ ذلكَ، إنَّمَا يستخدمُونَ البلازمَا، أو مركَّباتٍ تنشيطيَّةً، ولكنْ لأنَّ لكلمةِ الخلايَا الجذعيَّةِ، وكلمةِ الأكسوزوماتِ جذبًا للإقبالِ والزِّيادةِ من سعرِ العمليَّةِ التجميليَّةِ، فإنَّهم يغشُّونَ النِّساءَ بمثلِ هذَا الكلامِ.

وقد كتبت مقالة سابقة وضحت فيها أن اللعب بالوجه باسم التجميل جناية جسدية، سوف تتجرع آثارها المرأة إن تمادت في تغيير قسمات وجهها الطبيعية التي خلقها الله عليها، والفنانة ريهام سعيد نموذج لذلك، وستندم يوماً ما كل سيدة سلمت وجهها لطبيب تجميل، وسينتهي بها الأمر إلى فقدها للصورة الجمالية الطبيعية لوجهها، وتحويله إلى تركيب صناعي يحتاج كل فترة إلى إبر ومعالجات تجميلية. إنَّ كلَّ امرأةٍ عليهَا أنْ تعلمَ أنَّ أطبَّاءَ التَّجميلِ يملكُونَ أدواتٍ وكيماوياتٍ وجراحاتٍ لكنَّهم لا يستطيعُونَ قياسَ النَّسبِ الخاصةِ لتكويناتِ الوجهِ بالنسبةِ للوجهِ الكليِّ، فالمهمَّةُ الرئيسةُ لأطبَّاءِ التَّجميلِ هي الجراحاتُ التجميليَّةُ، وليسَ اللَّعب في وجوهِ النِّساءِ، وشفط فلوسِهنَّ باسم التَّجميلِ، بلْ بالعكسِ إنْ عملَهُم إنسانيٌّ بالدرجةِ الأولى؛ كونهم يعملُونَ جراحاتٍ تجميليَّةً لمَن يعانُونَ من تشوُّهاتٍ خَلقيَّةٍ.

أعودُ إلى الأطبَّاءِ غيرِ الأسوياءِ الَّذين امتهنُوا الغشَّ في مهنتِهم الإنسانيَّةِ، فأكبرُ الغشِّ أنْ تعمدَ إلى الدِّعايةِ للكشفِ المجانيِّ للنَّاسِ، ثمَّ تلاحقُهم بأنَّ لديهم أمراضًا وهميَّةً لتعالجهَا، فهذَا غِشٌّ يورِّطُ النَّاسَ في صرفيَّاتٍ ماليَّةٍ تدرُّ عليكَ وعلى مستشفاكَ أو مستوصفكَ مالًا حرامًا، وهناكَ من الغشِّ الخفيِّ الَّذي يمارسُهُ الطَّبيبُ منزوعُ الضَّميرِ بفرضِ عملِ تحاليلَ وأشعَّةٍ وغيرهَا بأسعارٍ عاليةٍ من دونِ حاجةٍ لها طبيًّا، إنَّما من بابِ زيادةِ الدَّخلِ، ويفعلُ هذَا مأمورًا بهِ من إدارةِ المستشفَى أو المستوصف، ومن الغشِّ أنْ لا يُعطِي الطبيبُ في المستشفياتِ والمستوصفاتِ الحكوميَّةِ والمجانيَّةِ، أو الَّتي تأمينُ أصحابِهَا غيرُ كافٍ لا يعطِي المريضَ حقَّه من العنايةِ والكشفِ اللَّازمِ، وبالتَّالي عدم معاملةِ المريضِ معاملةً تمكِّنه من الشِّفاءِ، وهذا التصرُّف يلاحظُ عندَ البعضِ الَّذي قد يعانِي من ضغطِ العملِ، وكثرةِ المراجعِينَ، ما ذكر ممارسات بعضها لو أُهمل دونَ تعديلٍ ومتابعةٍ من الوزارةِ قد يتحوَّل إلى ظاهرةٍ يستفحلُ معالجتهَا مستقبلًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store