Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

التعهيد صناعة مُلحَّة

A A
تُعدُّ صناعةُ التَّعهيد من الصِّناعاتِ التي تشهدُ نموًّا كبيرًا خلال السَّنوات الأخيرة على المستوَى العالميِّ، حيثُ تُقدِّم فرصًا واعدةً للشَّركاتِ والأفرادِ على حدٍّ سواءٍ، وتوفِّر دخلًا مرتفعًا مقارنةً بالوظائفِ الأُخْرَى، ووصلَ حجمُ السُّوقِ في هذِهِ الصِّناعةِ -وفقًا لبعضِ التَّقديرات- لـ540 مليارَ دولارٍ، وبنسبةِ نموٍّ سنويٍّ 9% حتَّى عام 2026، حسبما نُشرَ في موقِع «سكاي نيوز».

ولكنْ مَا هِي صناعةُ التَّعهيدِ؟ هِي -ببساطةٍ- قيامُ بعضِ الشَّركاتِ الأجنبيَّةِ باستخدامِ واستئجارِ بعضِ الكفاءاتِ والأفرادِ أو شركاتٍ؛ لإنهاءِ بعضِ الخدماتِ خارجَ حدودِهَا؛ بسببِ التَّكلفةِ المرتفعةِ، وتلجأُ هذِهِ الشَّركاتُ في تلكَ الحالةِ إلى الأفرادِ أو الشَّركاتِ التي تمتلكُ المهارةَ الكافيةَ، فهي صناعةٌ قائمةٌ على فكرةِ تصديرِ المهاراتِ في الأساسِ، ولذلكَ من الضروريِّ الاستفادةُ من هذِهِ الصِّناعةِ في القضاءِ على البطالةِ التي تُقدَّر بـ8.3% في 2023، وفقًا لموقعِ العربيَّة، وتوفير المزيدِ من فرصِ العملِ للسعوديِّين، خاصَّةً الشَّباب، سواءٌ من خلالِ إعطاءِ الشَّبابِ الخرِّيجِينَ دوراتٍ مكثَّفةً في المهاراتِ المطلوبةِ عالميًّا، أو تشجيعِ الشَّركاتِ على افتتاحِ أفرعَ لتقديمِ هذِهِ الخدماتِ، خاصَّةً وأنَّ الدَّخلَ من هذِهِ الصِّناعةِ مرتفعٌ، ويواكبُ طموحَ الشَّبابِ السعوديِّ.

ولكَ أنْ تعلمَ أنَّ تكلفةَ إنشاءِ هذِهِ الصِّناعةِ منخفضٌ بصورةٍ كبيرةٍ، فهذِهِ الصِّناعةُ ليستْ في حاجةٍ إلى آلاتٍ أو معدَّاتٍ ضخمةٍ، أو موادَّ خامٍ للتَّشغيلِ، ولكنَّها قائمةٌ على الفكرِ والإبداعِ والمهارةِ، القادرِ على تقديمِ منتجٍ رقميٍّ غيرِ ملموسٍ، قادرٍ على الارتقاءِ بالمجتمعِ علميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، ويُساهمُ في تنويعِ مصادرِ الدَّخلِ بصورةٍ كبيرةٍ، ومجالاتُ هذِهِ الصِّناعةِ متعدِّدةٌ وتشملُ البرمجةَ، والهندسةَ، وإدارةَ مواقعِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ، والحوسبةَ السحابيَّةَ، أو حتَّى تقديم بعضِ خدماتِ المحاسبةِ والشؤونِ الماليَّةِ، بالإضافةِ إلى مراكزِ الاتِّصالِ التي توفِّر خدمةَ العملاءِ.

خدماتُ التَّعهيدِ تشملُ مجالاتٍ متوسطةَ الدَّخلِ مثل: الخدمات المُقدَّمة من قِبل مراكزِ الاتِّصالِ عبرَ الهاتفِ، التي تخدمُ مزوِّدِي الخدماتِ في دولٍ أُخْرَى مثل الشَّركاتِ العاملةِ في مجالِ الاتِّصالاتِ والكهرباءِ والبنوكِ وخلافه، فقدْ يقومُ عميلٌ ما في دولةٍ مثل الولاياتِ المتَّحدةِ الأمريكيَّةِ بالاستفسارِ عن اشتراكِ الإنترنتِ الخاصِّ بمنزلِهِ من خلالِ مركزِ الاتِّصالِ، ويجيبُ علَى المكالمةِ موظَّفٌ في الهندِ أو بنجلاديش معنيٌّ بتوفيرِ خدماتِ الدَّعمِ الفنيِّ للشَّركةِ الأمريكيَّةِ تحتَ مفهومِ خدماتِ التَّعهيدِ الدوليِّ، حيثُ إنَّ العمالةَ في الهندِ أجرُهَا أقلُّ بكثيرٍ من العمالةِ في بريطانيا، وهذَا يساهمُ في التَّقليلِ من تكلفةِ التَّشغيلِ لهذِهِ الشَّركاتِ، وتشملُ أيضًا مجالاتٍ مرتفعةَ الدَّخلِ تكونُ للعمالةِ المتخصِّصةِ، وتساهمُ في نقلِ التكنولوجيا المتطوِّرةِ للدولةِ التي تستضيفُ هذه الخدماتِ، وقدْ تشملُ -على سبيلِ المثالِ- خدماتِ التَّصميمِ والهندسةِ للشَّركاتِ الصِّناعيَّةِ، والبحثِ العلميِّ لشركاتِ الأدويةِ، والبرمجيَّاتِ المتخصِّصةِ لشركاتِ البرمجةِ العالميَّةِ الكُبْرَى.

واحتلَّت الهندُ المركزَ الأوَّلَ في مؤشرِ أفضلِ مواقعَ تقديمِ خدماتِ التَّعهيدِ عالميًّا في عام 2020، وفقًا لمؤسَّسةِ الاستشاراتِ التسويقيَّةِ «GSLI» بنسبةٍ بلغت 7.06%، تلتها الصِّينُ بنسبةِ 6.49%، ثمَّ جاءتْ ماليزيا في المركزِ الثَّالثِ بنسبةِ 6.15%، أعقبهَا إندونيسيا، وفيتنام بنسبِ 6.02%، و5.88% على التَّوالي، وحصدتْ أمريكا المركزَ السَّادسَ بنسبة 5.83%؛ ولكي تعلمَ أهميَّةَ هذِهِ الصِّناعةِ، فهي تساهمُ في النَّاتجِ المحليِّ الإجماليِّ لاقتصادِ الهندِ الضَّخمِ بنسبة 5.8%.

وأخيراً وليس آخراً، فإن النجاح في جعل المملكة مركزاً عالمياً في تقديم خدمات التعهيد الدولي في كافة المجالات، لن يحدث إلا من خلال تضافر جهود كافة الجهات المعنية بتشجيع الاستثمار، ووضع سياسات محفزة لجذب هذا النوع من الاستثمارات، ليس هذا فقط، بل إن هناك ضرورة للتوسع في دراسة هذه المجالات، مع العمل على إعادة تأهيل الخريجين في المجالات غير المرغوبة في سوق العمل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store