Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

يوم التأسيس.. فخرنا بجذورنا ‏التاريخية

A A
‏في صحراء قاحلة وكثبان رملية تتوسَّدها هضبة نجد، يقف شامخاً جبل طويق، ورمضاء تلهبها حرارة الجو؛ ساد رعي الأبل والأغنام من قوم ذوي بأس شديد وعظمة، جابوا الصحراء، وحفروا الصخر للحصول على الماء لينبت الزرع، ويمتلئ الضرع، ولتنشأ حضارة تصل إلى أعالي الشهب، إنها أغلى ثرى بأمجاد من بدأوا التأسيس، وتابعوا المسيرة، لتقوم حضارة أمة.

لذا، فمن الظلم أن يغفل التاريخ جذور هذه الدولة العظيمة، والتي تعتبر الأساس في بناء هذا الكيان، عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى (عام ١٧٢٧ م - ١٨١٨م)، وهي قصة البداية ورفع راية التوحيد؛ لقد جاء مانع بن ربيعة المريدي عام (٨٥٠هـ) من القطيف إلى الدرعية، فأسس إمارة الدرعية الأولى، وهو أقدم من يذكره التاريخ من أجداد أسرة آل سعود الحاكمة، واتخذ من الدرعية مقراً له، والغصيبة موطناً له ولأبنائه، الذين توارثوا الحكم. ولكن لم يلبث أن تولى محمد بن سعود بن محمد بن مقرن إمارة الدرعية، والذي أصبح أول أئمة الدولة السعودية الأولى.

ثم جاء من بعده ابنه عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثم سعود الثاني، والذي يطلق عليه سعود الكبير، فأسس الدولة السعودية الثانية من (‏عام ١٨٢٤م - ١٨٩١م)، وحكم إمارة الدرعية عدة أمراء من آل سعود؛ حتى جاء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، فعمل على استرداد ملك آبائه وأجداده من آل الرشيد في الرياض، ثم تأسيس المملكة العربية السعودية عام ١٩٠٢م لتأسيس الدولة السعودية الثالثة، وليسير أبناؤه البررة على منهج القائد الملك عبدالعزيز.

‏‏تقع الدرعية على ضفاف وادي حنيفة، وفي عرض إقليم اليمامة، وهي من أخصب الواحات في الجزيرة العربية، ويعد جبل طويق من أهم المعالم الجغرافية فيها، وسُمِّي بذلك لأن مرتفعاته على شكل طوق، وتنتشر المجتمعات البشرية حوله، ويعود وجودها إلى ما قبل التاريخ، لذلك أشار إليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في تشبيه همة السعوديين كجبل طويق، بالقوة والشموخ والرسوخ.

وقد اهتمت المدينة بطريق الحجاج، وتمهيده لمرور الحجاج به، وهم القادمون من الشرق والشمال الشرقي؛ وتأمين طرق التجارة، وتصدير المنتجات الزراعية.

‏هذه الدولة منذ تأسيسها قد خطفت انتباه الرحالة في الشرق والغرب، فهناك حضارة أمة، حيث توجد كثير من الرسومات التاريخية لزعماء الدولة السعودية الأولى والثانية في متاحف بباريس، مثل رسمة صورة عبدالله بن سعود، ونشرت في عام ١٨٣٩م باسم مجموعة نابليون. لم يكن الله ليُمكِّن لهذه الدولة في الاستمرار والنمو والازدهار إلا لما تتميز به أئمتها وأمراؤها من صفات العرب الأصيلة في الكرم، والمروءة، والعدالة، والشهامة، والأمانة، والحلم، والوفاء.

كما أن الرمزية التي اتخذت في هذه المناسبة، هي ثقافتنا الخالدة التي نفخر بها وهي: علم المملكة، والنخلة، والصقر، والسوق، والخيل والإبل العربية. وهي ذات جذور تاريخية تعود لتسعة آلاف سنة في الجزيرة العربية، كما أظهرت ذلك الاكتشافات الأثرية الحديثة. فالعلم: هو رمز الوحدة والانتماء، وكتبت عليه كلمة التوحيد (لا إله الا الله محمد رسول الله)، فهو دستور للأمة، والسيف أسفله رمز للقوة والعدالة.

والنخلة: رمز العطاء، وهي جزء أساسي من الثقافة السعودية، ومصدر أساسي من مصادر الدخل القومي منذ القدم، بما تنتجه من التمور، ومصدر أساسي في الضيافة مع القهوة السعودية. ‏والصقر من الهدايا القيمة التي تهدى بين شيوخ القبائل، ورمزاً للصلح في حل الخلافات، والصقارة من أشهر الرياضات في الجزيرة العربية.

وأما السوق: فهو موطن البيع والشراء وازدهار التجارة، وهناك أسواق قديمة وعريقة إلى يومنا هذا في الأرياف، وخاصة في الدرعية. وأما الخيل فهي ترمز لصلابة وقوة رجال السعودية.

حقاً، لقد كان صدور الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رقم أ/٣٧١ بتاريخ ٢٤ /٦ /١٤٤٣ - ٢٧ /١ /٢٠٢٢م بأن يكون يوم ٢٢ فبراير يوماً لذكرى التأسيس لهذا الكيان العظيم، قراراً صائباً، لتعريف الأجيال بحكمة الأجداد في تأسيس هذا الكيان، الذي نفخر بعمق التاريخ الحضاري والثقافي له.

مع أن يومنا الوطني هو تأسيس المملكة العربية السعودية على يد البطل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن في عام ١٣٥١هـ - ١٩٣٢م، ويعد الملحمة البطولية التي استرد فيها ملك آبائه وأجداده بعد ٣٢ عاماً خاضها في جهادٍ وكفاح.

نعم، لقد كان تأسيس الدولة منذ أكثر من ثلاثة قرون، يظهر حقيقة الوحدة والأمن والاستقرار في البناء والتنمية، وتوعية الأجيال بتاريخنا المجيد، الذي غفلنا عنه لسنوات، وها نحن الآن أكثر انتماءً وحباً لهذه الدولة المباركة، التي قامت على تضحيات الأجداد والآباء، لإرساء دعائم الوحدة الوطنية، وتأسيس دولة عظيمة كانت ولا زالت أبوابها مشرعة، وصدورها مفتوحة لتضم كل أبناء الوطن، ومبادلة الحب بالوفاء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store