Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

اهجـــــــــــــــد

A A
عنوان المقال كلمة تاريخية جميلة؛ معناها التهدئة ومقاومة الانفعال، ومقالي عن نِعَم عنصر النيتروجين، وهو من ضروريات الحياة لدى كافة المخلوقات في عالم الحيوان والنبات.. وذراته تعشق «الوناسة» مع بعضها البعض، لتكون إحدى أقوى «الشِلل» بكسر الشين.. أي الروابط التي يصعب كسرها، ولذا فتبقى «معشّقة»، ولا تتفاعل إلا بصعوبة بالغة. تخيل أنك ستتنفس اليوم حوالى سبعة عشرة ألف مرة، ومنها حوالى خمسين مرة خلال قراءتك لهذا المقال إلى نهايته.. وفي كل مرة سينعم الله عليك بدخول ما يعادل محتوى علبتي «فيمتو» من الهواء إلى رئتيك، لتأخذ دورتها وتسير حياتنا.. ولكن هذه المعلومة بحاجة إلى التقنين.. حوالى 79% مما نتنفس هو غاز النيتروجين، وحوالى 19% من غاز الأوكسجين، و1% هي من «التفاريق» أي الغازات الأخرى.. والنيتروجين الذي يدخل أجسامنا لا يتفاعل مع أي مواد أخرى خلال عملية التنفس، بخلاف الأوكسجين الذي يعشق الاتحاد مع بعض العناصر الأخرى، ومن هنا جاء مصطلح «الأكسدة».. ولكن الموضوع لا يقتصر على أجسامنا فحسب، ففي عالم الطيران يلعب النيتروجين أحد أقوى الأدوار في مجال السلامة.. واكتشفتُ تفاصيل ذلك عندما كنتُ مسافراً على متن طائرة من طراز بوينج 777 في رحلة طويلة، مما تتطلب تعبئة خزانات الطائرة العملاقة بحوالى مائة وثلاثين ألف كيلوجرام من الوقود.. وكنت جالساً في مقعد يقع فوق خزان الوقود الأكبر حجماً بين جناحي البوينج. ولم أشعر بأي خوف أو قلق بسبب منظومة توليد غاز النيتروجين لكي «تهجّد» أي أبخرة قد تصعد من كمية الوقود المذهلة.. وللإيضاح، فأيام زمان تعرضت بعض الطائرات لمشاكل اشتعال بعض من أبخرة الوقود واشتعالها بسبب التماسات كهربائية، أو ضربات صواعق.. وتم معالجة تلك المخاطر من خلال ضخ غاز النيتروجين من الهواء، لتهدئة أبخرة الوقود وإزالة مخاطر الاشتعال غير المرغوب فيها.. وكأن النيتروجين يأمر الأبخرة القابلة للاشتعال بأن تهجد بأمر الله.. وهناك المزيد، فأول كارثة مميتة في تاريخ إدارة الفضاء الأمريكية «ناسا» كان على متن مركبة أبولو 1 في 21 فبراير 1967، أثناء إجراء اختباراتها على الأرض، وكانت إحدى الأسباب الرئيسة هي الاعتماد على بيئة مشبعة بالأكسجين فقط.. وتم معالجة ذلك الخطر بضخ النيتروجين في المركبات الفضائية أثناء اختباراتها على الأرض.. ولكن في عام 1981 تعرضت نفس وكالة الفضاء الأمريكية لحادثة مميتة بسبب عكس المبدأ.. اختنق فنيون بسبب استنشاق غاز النيتروجين في 19 مارس 1981، عندما تسببت البيئة المشبعة بذلك العنصر في حادثة مميتة على الأرض أثناء إحدى اختبارات المكوك الفضائي.. يعني عانت ناسا مع متناقضات النيتروجين في اختبارات المركبات.

خلال الستة أشهر الماضية، بدأت بعض الولايات الأمريكية في دراسة استخدام النيتروجين لتطبيق حكومة الإعدام على المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام. وهذه الآلية الجديدة تعتبر تجريبية، وتتميز بأنها أكثر رحمة من الطرق السابقة التي تشمل الحقن بالسم، والكرسي الكهربائي، والشنق.. يعني أصبح غاز النيتروجين مقروناً بتطبيقات الموت، علماً بأن تاريخه كان مرتبطاً بالتطبيقات الوديعة.

* أمنيــــــة:

أتمنى أن يهجد العنف العالمي الذي يفوق الخيال اليوم.. ربما بضخ النيتروجين على المعتدين ومن يؤيدهم.. والحرب على غزة بالذات تفوق الخيال في قسوتها على الأبرياء، وتحتاج إلى قوة تهدئة تفوق الجهود التي نسمع عنها يومياً لإيقاف المجازر.. والوضع في غاية الخطورة، فلو نظرنا لتاريخ العالم قبل الحربين العالميتين مباشرة، سنجد أنهما كانا أفضل مما نجد اليوم في الشرق والغرب، والله الساتر، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store