Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

يـــــــــــــود

A A
معظمنا نتذكَّر عنصر اليود من أيام الطفولة.. الذي كان من أهم مكونات الإسعافات الأولية للجروح بلونه الأحمر الغامق، الذي كان يبعث الخوف في قلوبنا وقلوب أهلنا.. ولهذه النعمة العديد من المنافع بداخلنا، فبالرغم من الكميات الضئيلة التي تحتاجها أجسامنا يومياً، فهو من الضروريات لعمل الغدة الدرقية ولتيسير عمل خلايا الجسم المختلفة.. ولكن مفاجآت اليود لا تقتصر على الإسعافات الأولية، وعلى ما هو بداخلنا فحسب، فبعض التطبيقات غير المتوقعة نجدها في هندسة الفضاء الخارجي.. ونعود إلى موضوع الفضاء بعد 94 كلمة من هذه النقاط.. ولابد أن أذكر بعض الخصائص الغريبة لهذا العنصر العجيب.. اليود «حرامي» لأن ذراته من «لصوص» علم الكيمياء.. ولدعم هذا الاتهام، فلابد من الإشارة إلى أن جوهر هذا العلم الجميل يشمل سلوكيات التخلص من ذرات بعض العناصر من الإلكترونات، بينما نجد أن بعض العناصر الأخرى التي تحاول أن تستحوذ، أو تشارك، أو تسرق الإلكترونات.. وبعضها تتم بطرق وديعة مثلما هو الحال في ذرات الكربون، ولكن اليود يسرق الإلكترونات بطرق عجيبة.. وتفاعله أثناء ذلك قد يكون عنيفاً.. وهناك المزيد، فهو من العناصر التي تتميز بخاصية «التسامي»، فهي تنتقل من حالتها الصلبة إلى حالة الغاز بدون المرور بحالة السائل.. يعني من «بيت المستعجل».. وأحد التطبيقات الإبداعية الحديثة التي تستغل هذه الخاصة المميزة نجدها في عالم الفضاء، وتحديداً في وقود الأقمار الصناعية.. كانت الأقمار الصناعية أيام زمان بحجم باص النقل الجماعي، ثم تقلصت لتصبح بحجم «اللاند كروزر».. واليوم أصبح بعض منها بأحجام صغيرة جداً، أصغر من «الخربزة».. وتتطلب حركة تلك الأقمار في المدارات المختلفة بعض المناورات بين الحين والآخر، تفادياً لمخاطر الاصطدام، ولذا فلابد من وجود محركات لتغيير المسارات. وكان وقود المركبات الفضائية في السابق يُشكِّل بعض المخاطر الكبرى، لأنه كان ساماً وخطيراً على البيئة.. واليوم يُستَخدَم اليود كأحد محركات الأقمار الصناعية الصغيرة.. من خلال تسخينه باستخدام الطاقة الشمسية على متن القمر الصناعي، فيتم تحول اليود من حالته الصلبة إلى الغازية التي تنفثها المركبة، لتُحوِّل كمية من الطاقة للدفع بدون مخاطر بيئية نسبةً إلى الوقود السابق.

ولعنصر اليود بعض القصص الأخرى، ومنها أنه كان من الرموز المستخدمة للصمود ضد الإمبراطورية البريطانية للقارة الهندية.. في عام 1930 قام المناضل الهندي «غاندي» بمسيرة طويلة إلى قرية «داندي» للاحتجاج على الضرائب التي كانت تفرضها حكومة الاحتلال على الهنود في بلادهم.. وتحديداً، فكانت الضريبة على إضافة عنصر اليود للملح الهندي لتحسين الصحة العامة.. بدأ بعدد حوالى ثمانين شخصاً، وعندما وصل إلى وجهته وصل العدد إلى حوالى ثمانين ألفاً.. يعني في مسيرة «غاندي إلى داندي» الهائلة؛ تم الاعتراض الشعبي الهائل على ضرائب الملح بسبب اليود، ودخل العنصر التاريخ، كأحد الرموز السياسية المستخدمة ضد الاستعمار.

* أمنيــــــــــة:

كل من عناصر الكيمياء لها شخصيتها المميزة، بعضها عنيفة، وبعضها هادئة ووديعة، والعديد منها تحكي بعض القصص التاريخية المهمة، وبالنسبة لليود فهناك العديد منها.. من مسيرة غاندي ضد الاستعمار الإنجليزي أيام زمان، إلى وقود الأقمار الصناعية اليوم.. وسبحان الله فقد تعكس الرائحة المزعجة لهذا العنصر الكيماوي وضع غزة العزيزة اليوم، فبعض الدول المؤيدة للحرب على المدنيين الأبرياء كشفت شخصيتها الحقيقية، وكأن رائحتها قد ظهرت للجميع من خلال مواقفها غير المشرفة.. أتمنى أن تنتهي مأساة الظلم ضد الأبرياء.. والله يرفع الظلم عن أهل فلسطين، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store