Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الإبل.. رمز الوفاء

الإبل.. رمز الوفاء

أحد أهم الموروثات الثقافية والموارد الاقتصادية

A A
احتلت الأبل مكانةً بارزة وعميقةً لدى العرب الذين أوْلَوْها اهتماماً كبيراً، لتصبح جزءاً أساسياً من تراثهم وثقافتهم، وذلك بعد علاقةٍ وطيدة امتدت عبر التاريخ، وتميزت بالوفاء والإخلاص، وتتجلى في سلوكيات الولاء والحب والانتماء الذي تُظهِرُه الإبل تجاه أصحابها، لتؤكد من خلال ذلك بأنها رفيقٌ حقيقي للإنسان وليست مجرد دابة.

واعترافاً بقيمة الإبل في تاريخ العرب والمجتمع السعودي، باعتبارها أحد أهم الموروثات الثقافية والموارد الاقتصادية المهمة للكثير من مُلّاكها ومُربّيها، أطلقت وزارة الثقافة مبادرة تسمية عام 2024 بـ"عام الإبل" بعد إقراره من مجلس الوزراء، تأصيلاً لمكانة الإبل الراسخة في الهوية الثقافية السعودية.

ومن بين قصص وفاء الإبل لأصحابها، نَجِدُ حادثةً مُشَوِّقة تروي قصة محمد بن شويشان السبيعي الذي كان يمتلك ناقةً يبدو أنها عانت من غيابه بعد أن باعها لمالكٍ آخر، ليتفاجأ ابن شويشان عندما كان حاضراً لمسيرة للإبل بناقته مُقبِلَةً عليه، وذلك بعد غيابٍ استمر لسبعة أشهر، حيث عَبّرت الناقة عن اشتياقها له بلفّ رقبتها حوله والتمسّك به.

وفي قصةٍ أخرى جرت لعبدالله الشمالي وناقتِه بعد ما أصيب في يومٍ من الأيام بمرض الجدري ليلزم الفراش لفترة شهرين، فيما كانت ناقته (الهدية) بعد أن افتقدته تأتي دائماً إلى بيت الشَّعر الذي يتواجد به، لترفع رواق البيت برأسها وتنظر إليه وتَحِنّ، وبعد مدة توفي الشمالي فاستمرت الناقة بفعلتها يومياً، ترفع الرواق برأسها وتعاود الحنين بصوتٍ حزين مؤلم.

وقد جسّد الشعراء مشاعرَهم في أبياتٍ فريدة عبّرت عن تلك العواطف العميقة التي تربطهم بالإبل، ومن الشعراء الذين عُرف عنهم تعلُّقُهم بها شاعر الوطن خلف بن هذال العتيبي، فقد كتب فيها العديد من القصائد وله من الأبيات التي وصفت علاقة المودة التي تربط بين الإبل والشاعر:

البل لها في مهجة القلب منزال

منايح القصار سفن الصحاري

مراجلٍ يشقى بها كل رجال

افلاس بايعها نواميس شاري

وصاحب الإبل يبدي ذاتَ الحب والتعلق والوفاء تجاهها، فيُعبّر عن تلك المشاعر برعايتها والاهتمام العميق بها، حيث تجلّت أحاسيس الشاعر الكبير سعد بن جدلان بأبياته الشعرية:

أحبّها حبّ الهبال المهابيل

واتبع رضاها واجتهد في سعدها

ففي زمنٍ مضى عُرف الشاعر سعد بن جدلان بعشقة للإبل وقضائه الكثير من الوقت بجانبها، إذ كان يدخل وسط الإبل دون أن يحمل "العصا"، لهذا كانت تحبه بشدة وتتجمع حوله إذا رأته مقبلاً، وعندما توفي الشاعر جاءت ناقته وبركت أمام منزله من شدة تعلُّقِها به.

وللإبل طبائعُ تُشبِهُ البشر في تواصُلِها وتآلُفِها مع بعضها البعض، ولها قدرةٌ عالية تُمكِّنُها من التعرف على أصحابها، بل وتمييز حالتهم المزاجية من أصواتهم، فعلاقتها بأصحابها تصبح علاقةً مبنيّةً على الثقة والتواصل المتبادل، ووفاءُ الإبل ينعكس في رغبتها الشديدة في خدمة أصحابها وتفانيها في تنفيذ مهامِّها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store