Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

تدوير النفايات.. وكنوزنا المفقودة

A A
‏تدويرُ النفاياتِ لم تكنْ فكرةً حديثةً، بل نشأتْ منذ الحربِ العالميَّةِ الأولى والثانية، حيثُ عانت بعضُ الدولِ من نقصٍ شديدٍ في المواد الخام، مثل المطاط والحديد؛ ممَّا دفعها إلى تجميعِ تلك المواد المستخدمةِ وإعادةِ تدويرهَا. وقد وجدتْ فوائد كبيرة لهذه العمليَّةِ؛ ممَّا حداهَا بالتفكيرِ في تدويرِ موادَّ أُخْرى، كالورقِ والكرتونِ والمعادنِ بكافَّة أشكالِها، وقد بلغَ ذروة ذلك في السبعينيَّات الميلاديَّة من القرن الماضي، حتَّى أصبحت بعض الدولِ متخصِّصةً في استيرادِ وتدويرِ النفاياتِ، مثل الصِّين وألمانيا وبنغلاديش لقيمتها العُليا أولًا، ثم لتخفيف الضغوط على كوكبِ الأرض؛ وذلك بسببِ الاستهلاكِ الجائرِ للطبيعةِ، ففي البدايةِ كانت البيئةُ لحمايةِ الإنسانِ، ثم أصبحتْ هناك ضرورةً لحمايةِ الكوكبِ من الإنسانِ، لكثرة قطع الأشجارِ، والاستهلاك للمعادنِ والغازاتِ، وقتل الحيواناتِ، والإضرارِ بالموائلِ الفطريَّةِ، حتَّى أصبح هناك تهديدٌ لكوكبِ الأرض، وظهرت مشكلاتُ التصحُّر، واحترارُ الأرضِ، وخرق طبقةِ الأوزون.. وغيرها، وأصبحَ هناك ناشطُون لحمايةِ البيئةِ، وضرورة وقفِ المصانعِ والوقود الأحفوريِّ؛ للحدِّ من انبعاثات الكربونِ، ولإعادة التوازنِ للنظامِ الإيكولوجيِّ.

واهتمَّت المملكةُ بحمايةِ كوكبِ الأرضِ، وليس مبادرة السعوديَّة الخضراء والشَّرق الأوسط الأخضر التي اعتمدَها صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن سلمان إلَّا نواة لمعالجةِ التغيراتِ المناخيَّةِ، كما عملتْ على تطويرِ مبادراتِ تدويرِ النفاياتِ، من خلالِ الشركةِ السعوديةِ لإعادةِ التدويرِ (سرك)، المملوكة لصندوقِ الاستثماراتِ العامَّةِ، ولديها أهدافٌ طموحةٌ متوائمةٌ مع رؤية ٢٠٣٠م؛ ممَّا يسهمُ في رفع الناتج المحلي لأكثر من ٣٧ مليونَ ريالٍ بحلول عام ٢٠٣٥م.

وبالرَّغمِ ممَّا يُصرِّح به المسؤولُون في «سرك» عن جهود التدويرِ، يبدُو أنَّها لازالتْ في مراحلها الأوليَّة، ولا تشملُ جميعَ أنواعِ النفاياتِ، فإنَّ ما تقومُ بتدويرهِ من مخلَّفاتِ الهدمِ والبناءِ والنفاياتِ الصلبة يصلُ لنسبة ٧٦٪، وما يتم تدويرهُ يمثِّل فقط 10٪ من النفاياتِ في المملكةِ، والتي تُقدَّر بـ(١٣٠ مليونَ طنٍّ) سنويًّا.

‏في كلِّ مرَّة أزورُ فيها الولايات المتحدة أو بريطانيا، أو أزورُ كاوست، أجد أنَّ إدارة النفايات تكون من المصدر، وهي المنازل والفنادق والمجمَّعات السكنيَّة، فهناك ثلاث حاويات: الأولى باللونِ الأخضرِ للنفاياتِ العضويَّةِ، المتمثِّلة في بقايا الأطعمةِ والمخلَّفاتِ النباتيَّةِ، والثَّانيةِ حاويات زرقاء للنفاياتِ القابلة للتدويرِ، مثل الكرتونِ والبلاستيكِ والمعادنِ والزجاجِ والمنسوجاتِ، وتُخصَّص الحاوية الثالثة للنفاياتِ العامَّة التكنولوجيَّة والتقنيَّة.. ‏وبعد العودة، أُصر على فرزِ النفاياتِ في المطبخِ، ولكن -للأسفِ- حينما تذهبُ إلى حاوية الشارع، أجدهَا توضعُ جميعهَا معًا!.

لماذا تأخَّرنا حتَّى الآن في فرزِ النفاياتِ من المصدرِ؛ في البيوتِ والمنازلِ والمجمَّعاتِ السكنيَّةِ، ناهيكَ عن المستشفياتِ والنفاياتِ الطبيَّة!؟.

‏لماذَا لم تُستثمرْ هذه الكنوز حتَّى الآن!؟ وحتَّى يُخفَّف الضغط عن المرادمِ، ونعمل على خفضِ الانبعاثاتِ الضَّارة التي تُقدَّر بملايين الأطنانِ سنويًّا، وهو ما يساهمُ في تحقيقِ أهدافِ مبادرةِ السعوديَّةِ الخضراءِ؟.

‏بل لماذا لا نستفيدُ من النفاياتِ -كما عملت كاوست- في استخدامِ البلاستيكِ كمادةٍ مستدامةٍ للطرقِ من خلال مبادرة (دربنا أخضر)، حيث تعملُ على تطويرِ تقنياتٍ تسهمُ في مستقبل وتنمية البيئةِ؟، بل لماذا لم تعمم التجربة عن طريق شركات استثمارية، ويكون للمواطنين الحقُّ في تملك أسهمٍ في تلك الشركات الاستثماريةِ!؟، مما يعود بالنفع على النمو الاقتصادي والاجتماعي.

‏‏السعوديَّة -بحمد الله- دولةٌ متطوِّرةٌ تسابقُ الزَّمنَ في الإنجازاتِ، فهي الثالثةُ عالميًّا بين ١٩٨ دولةً في الحكومةِ الرقميَّةِ، والأولى إقليميًّا للعام ٢٠٢٢م، وهذا بدعمٍ من القيادةِ الرشيدةِ، وهناك مشروعات يجب أنْ تدعم وتعزز من فرز النفاياتِ، والتحكُّم بها إلكترونيًّا، كما هو في مشروعِ الرقابةِ والتحكُّم في النفاياتِ في جدَّة، والذي دشَّنه معالي محافظ جدَّة صالح التركي، حيث يتمُّ المراقبةُ والتحكُّم في النفاياتِ إلكترونيًّا، لتسريعِ وتسهيلِ عمليَّاتِ التتبُّع، ‏وإصدار التقاريرِ والتخلُّص الآمن.

‏كما أنَّ هناك مبادراتٍ علميَّةً باستخدامِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في تطويرِ الاقتصادِ الدائريِّ، مثل ما قامت بها المهندسةُ بدرية الخليفة وزميلاتها سارة القثامي، في الاستفادةِ من النفاياتِ لبناءِ اقتصادٍ دائريٍّ مستدامٍ، واستخدامِ خوارزميَّات الذَّكاء الاصطناعيِّ؛ حيث تسهمُ مثل هذه التقنياتِ في إدارةِ النفاياتِ وإعادة التدويرِ بطرقٍ أكثر كفاءة، وخاصَّةً في المشاعر المقدَّسة في مكَّة المكرَّمة، حيث يصل إلى أكثر من (٣٠ ألف) طن سنويًّا، ويُشكِّل ثروة لم تُستغل، ناهيك عن شهر رمضان أيضًا، حيث هناك مئات الآلاف من المعتمرين، وبلغ عددُ سائحِي المملكةِ أكثر من 100 مليونِ سائحٍ؛ ممَّا يسبِّب زيادةً هائلةً في الاستهلاك، فينتج عنه الكثيرُ من النفاياتِ، والتي تحتاجُ إلى الاستفادةِ منها بالطرقِ الآمنةِ، مع ‏أهميَّةِ نشر ثقافةِ التدويرِ، وتوزيعِ حاوياتِ الألوانِ في الأحياءِ الفقيرةِ مجانًا ولو في بدايةِ المشروعِ؛ لضمانِ التطبيقِ والامتثالِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store