Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الإيمان.. وجدلية البراهين!

A A
مُعضلةُ الإيمان، أنَّه تجربةٌ فرديَّة شخصيَّة جُوانِيَّة، مجالُها القلبُ والكشفُ الرُّوحيُّ، ولا يُمكنُ البُرهانُ عليهِ علميًّا، ولا دحضُه علميًّا.. إطلاقًا. لذلك، لا فائدةَ تُرجى من مُحاولةِ إثباتِ الإيمانِ أو نفيِه، ولا إظهارِهِ أو إخفائِه، فالجدلُ، ولو بدا علميًّا، لا يُفيدُ.. إذ يبقى الحَكَم قلبُ المرءِ.. وقلبُه فحسْب. وباختيارِكَ الإيمان.. أنتَ تسيرُ في طريقِكَ وحيدًا تمامًا، حرفيًّا.. قلِقٌ وجوديًّا.. إنَّك تقفزُ في الظَّلام.. إنَّها وثبةٌ إلهيةٌ وجدانيةٌ.. ثقةٌ عمياءُ.. لكنَّه اختيارٌ ضروريٌّ.. فالإيمانُ لا يُمكن فرضُه.. ومرَّةً أُخْرى، سوف تكونُ وحيدًا تمامًا.

تنتشرُ الطُّقوسُ الدِّينيةُ والعاداتُ الاجتماعيَّةُ كالنَّار في الهَشيم، ويُمارسُها بشكلٍ تلقائيّْ جمعٌ غفيرٌ من البَشرِ في المُجتمعِ الواحِد.. لكنَّ الإيمانَ الشّخصيَّ والتديُّنَ الفرديَّ وسلامةَ القلبِ، لهُم منطقٌ مُختلفٌ، وليست الطُّقوسُ الجماعيَّةُ دليلًا على زيادةِ التَّقوى النفسيَّةِ بالضَّرورة. فالإيمانُ.. خوضٌ في عالَم الغيْبِ، يقينٌ كاملٌ في اللهِ.. مُغامرةٌ ذاتُ مذاقٍ لذيذٍ ومُتنوِّع، إنَّه أمرٌ غيرُ عَقلانيٍّ قد لا يتوافُق ومنطق التفكيرِ لدى كثيرٍ من النَّاس.. إنَّه تفوُّقُ طاعةِ الرَّب على أيِّ اعتباراتٍ أُخرى.. إنَّه فكرةٌ مُثيرةٌ.. أمرٌ مُذهلٌ يفوقُ العقل.

يقولُ قِدّيسُ الأدبِ الرُّوسيِّ (ليو تولستوي): «الإيمانُ الحقيقيُّ ليسَ في حاجةٍ إلى مَعابِدَ ولا لزينةٍ ولا لإنشادٍ، ولا لتجمُّع عددٍ كبيرٍ مِن النَّاسِ.. على النَّقيضِ مِن ذلكَ، لا يدخلُ الإيمانُ الحقيقيُّ إلى القلبِ سِوَى في هدوءٍ ووَحدةٍ». إنَّ كثيرينَ يتحدَّثونَ عن الصَّلاةِ أكثرَ مِمَّا يُقيمونَها، وعن الفضيلةِ أكثرَ مِن فِعلِها.. لقد تفوَّق الظَّاهرُ على الخفيِّ، وطغَت الطُّقوسُ على التَّقوى. يقولُ العارفُ باللهِ الدُّكتور (مُصطفى محمود): «ولو امتلأتِ النُّفوسُ بهذَا الإيمانِ لانحلَّت العُقدةُ، ولكنْ لا إيمانَ اليوم رَغم كثرةِ المَآذِن.. إنَّها مُجرَّدُ مَصاحِفَ مُدلاةٍ على الصُّدورِ.. لكنَّ الصُّدورَ نفسَها ليسَ فيهَا شيءٌ سِوَى رغبةٍ مُحرِقةٍ في اغتنامِ لذَّةٍ أو انتهازِ مَصلحةٍ».

وختامًا.. مِن أجلِ حياةٍ طيَّبةٍ، سوف تحتاجُ إلى قدْرٍ كبيرٍ مِن العقْلِ، وقدرٍ أكبر مِن الإيمانِ. صحيحٌ أنَّه من الصَّعب عليكَ التوقُّف عن تساؤلاتٍ وُجوديَّةٍ إيمانيَّة.. لكن في النِّهايةِ، ستُوصِلك تلكَ التّساؤلاتِ إلى برِّ الإيمانِ باللهِ، ولن تملكَ عندها إلَّا اعتناقَه عن اقتناعٍ وتسليمٍ، ودونَ تردُّد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store