Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

لمــــــــــــــــبة

A A
الحمد لله أن معظم الأشياء التي أعشقها زهيدة السعر، ولذا فاقتناؤها والاستمتاع بمزاياها لا يُسبِّبان لي أزمات مالية.. وعلى قمتها تتربع اللمبات.. وقد كتبتُ عن بعض خصائصها المذهلة مسبقاً.. وفي هذا المقال، ومن خلال اللمبة، سنذهب إلى مدينة برشلونة، وعالم ما بين الحرب والسلم المزيف، والخداع، والجاسوسية.. شاملة أشهر جواسيس في العالم.. واللعب على الحبلين، والمراوغة على المستوى الفردي، والمؤسسي، والسياسي.. فضلاً خليكم معي.. لنبدأ بإحدى مكونات اللمبة الجوهرية، وهي الخيط المعدني الذي يتوهج عند مرور الكهرباء ليصدر الضوء الرائع بمشيئة الله.. هذا الشريط الرهيف مصنوع من عنصر «التنجستن»، وهو من النعم الرائعة.. أصل الكلمة سويدية، ومعناها المعدن الثقيل، لأنه يتميز بالكثافة العالية، ويتميَّز أيضاً بكونه من أقوى العناصر في العالم، ويتمتع بأعلى درجة انصهار، وهي 3422 درجة مئوية.. يعني أكثر من ضعف درجة انصهار الحديد.. ومقارنةً بمعظم المعادن الأخرى هو كمقارنة حلاوة «الفوفل» القاسية بالآيس كريم.. وخصائصه الأخرى تجعله من أهم العناصر في الاستخدامات العسكرية، وبالذات في العديد من القذائف، لأنه «حمّال أسية»، علماً بأنه يتفوق على الحديد الصلب في خصائص التسليح، بل إنه يستخدم في بعض الأحيان «لتهذيب» ذرات الحديد ورفع قدراته لتحمُّل درجات حرارة مرتفعة جداً بداخل فوهات المدافع الجبارة.. لم تكن خصائصه معروفة قبل 1930، ولذا فكان من العناصر المهملة.. سعر الطن كان يعادل سعر وليمة مندي. ولكن التقدم في عالم الكيمياء والصناعات الحربية فتح أبواب رزق كبيرة لمن يملك مناجم هذا المعدن الفريد، وفي مقدمتها دولة البرتغال.. وبقيادة رئيس وزرائها الدكتور «سالازار» اتخذت تلك الدولة موقفاً عجيباً عند اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939.. أعلنت حيادها.. «يعني.. يعني» أنها صديقة الكل.. وكانت فاتحة أبوابها للأطراف المتنازعة. وبسبب ذلك الانفتاح الغريب في وسط أكبر الصراعات التاريخية، أصبحت المرتع الرئيس للدبابيس بأشكالهم وأنواعهم المختلفة. كانت عاصمتها برشلونة من «صوالين» الجواسيس.. في كل قهوة في الشوارع الكبرى والأزقة والفنادق تجدهم بأشكالهم وألوانهم المختلفة، ومن أشهرهم الكاتب البريطاني «إيان فلمنج»، الذي كوَّن شخصية أشهر جاسوس في التاريخ، وهو «جيمس بوند».. يعني بدون أي مبالغة، شخصية جيمس بوند وُلِدَت في برشلونة أيام الحرب العالمية الثانية، وتجارة التجنستن.. ويُقال إنها شُكِّلت بإيحاء من شخصية حقيقية، بناءً على أعمال أحد أشهر الجواسيس، واسمه «دوشكو بوبوف».. طبعاً كانت هناك حركات نذالة جاسوسية، ومنها العملاء المزدوجون، الذين كانوا يعملون للأطراف المتنازعة المختلفة في نفس الوقت.. وكان المعدن المذكور من أساسيات التعامل بسبب التعطش الشديد له في الصناعات الحربية.. تخيَّل أن نفس الموانئ التي كان تُصدِّر المعدن إلى ألمانيا، كانت تُصدِّره لإنجلترا والولايات المتحدة لينتهي في مدافع المعارك الضارية.. والكل كان يدفع بالذهب.. لا دولارات، ولا جنيهات، ولا دويتش ماركات.. هات ذهب وخذ تنجستن.. وساهم هذا المبدأ لتبادل المعادن الثمينة في ثراء البرتغال أثناء الحرب.. وكل هذا بداخل اللمبة المتواضعة.

* أمنيــــــة:

بالإضافة إلى قصص الدمار خلال الحروب، يُسجِّل التاريخ حكايات تجسس، ومراوغة، واستغلال للثروات بطرق مختلفة.. أتمنى أن يرفع الله الضرر عن جميع متضرري الصراعات المدمرة بأشكالها المختلفة، وبالذات في غزة العزيزة، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store