Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

مرض التشهير بالآخرين

A A
تقولُ الحكايةُ: أحبَّ شابٌّ فتاةً، فأرادَ خطبتَهَا، فلَّما ذهبَ ليسألَ عنهَا، أجابُوه بأنَّها سيئةُ السمعةِ وغيرُ صالحةٍ، فانصدمَ وعادَ مكسورَ الخاطرِ، وفي طريقهِ، وجدَ عجوزًا فسألَهُ: ما بكَ يا وَلدي؟ أراكَ مقهورًا شاحبَ الوجهِ، فقال لهُ: أحببتُ فتاةً ولمَّا سألتُ عنهَا عابُوها، فقالَ لهُ العجوزُ: لا تحزنْ يا ولدِي سأعطيكَ ابنتِي أفضلَ منهَا ولكنْ عليكَ أنْ تسألَ عنهَا أوَّلًا، فذهبَ وسألَ عنهَا، فأجابُوه أيضًا بأنَّها سيئةُ السمعةِ وغيرُ صالحةٍ، ولمَّا عادَ إلى العجوزِ سألهُ: ماذَا قالُوا لكَ عن ابنتِي؟ فقال له: لقدْ عابُوها، فطلبَ منه العجوزُ أنْ يأتي معهُ لبيتهِ، وبالفعلِ ذهبَ الشَّابُّ معه، وحينَ دخلَ لمْ يجدْ سوى زوجتَه العجوزةَ، التي لم تنجبْ أبدًا، فانصدمَ الشَّابُّ لافتراءِ النَّاسِ، عندهَا قالَ العجوزُ: يا بُنيَّ لا تُصدِّقْ أقوالَ النَّاسِ فإنَّهم مصابُون بمرضِ التَّشهيرِ بالآخرِين!!

لقد تفشَّت في الآونةِ الأخيرةِ، تحتَ مظلَّةِ حريَّةِ الرَّأي بمواقعَ التَّواصلِ الاجتماعيَّة، ظاهرةُ التشهيرِ بسمعةِ المنتجاتِ والعلاماتِ والبرانداتِ التجاريَّةِ، وللمعلوميَّةِ، إذا كانَ التشهيرُ بالشخصيَّةِ الطبيعيَّةِ مصيبةً، فإنَّ التشهيرَ بالشخصيَّةِ الاعتباريَّةِ مصيبتَان؛ لأنَّه يصاحبُ الإساءةَ للسمعةِ أضرارٌ ماديَّةٌ جسيمةٌ، غالبًا ما تتوافرُ فيها أركانُ المسؤوليَّةِ التقصيريَّةِ: الضَّررُ، الخطأُ، العلاقةُ السببيَّة، فيُحكمُ على المشهِّرِ بالغرامةِ، والتَّعويضِ عن الأضرارِ المترتبةِ.

إنَّ الأصلَ هو عدمُ التشهيرِ بالآخرينَ، إلَّا بموجبِ نصٍّ نظاميٍّ أو حكمٍ قضائيٍّ يجيزهُ، لكنَّ هناك حالاتٍ معلَّقةً، فقدْ تحبس شركةٌ حقوقَ الموظَّفِ الماليَّة، وقد تقومُ فتاةٌ لعوبٌ اعتادت الظهورَ بمنصَّتهَا كاسيةً عاريةً بابتزازِ أو استغلالِ بعض متابعيهَا، وقد تسوِّقُ وكالةٌ «ماركة خارجيَّة» منتجًا رديئًا للغايةِ، فلا يكونُ أمامَ المتضررِ إلَّا نقد مَن غشَّه بمواقعِ التَّواصلِ الاجتماعيَّة، لذلك يفترضُ عدمُ وصفِ ما أقدمَ عليهِ تشهيرًا، بل وسيلةً طارئةً لإيصالِ صوتهِ.

وحتَّى لا يستغلُّ المشهِّرُ عواطفَ النَّاسِ فيتمادَى بتشهيرهِ، ولو لم تكنْ لديه قضيَّة عادلةٌ، وحتَّى لا تستغلَّ الشخصيَّة الاعتباريَّة مواد الأنظمةِ المرعيةِ، التي تحظرُ التشهيرَ والإساءةَ والمساسَ بسمعةِ الآخرين، فتصبحُ بمنأى عن المسؤوليَّةِ، على الرغمِ من بضاعتِها الرديئةِ وتعاملاتِها الجائرةِ، يجبُ تطبيقُ روحِ القانونِ لا نصهُ، بحيث يعذرُ المشهِّر إنْ أثبتَ صحةَ اتهاماتِهِ ودوافعهِ، ويُلام المشهَّر بهِ متى هضمَ حقوقَ النَّاسِ بسطوتِهِ حتى طفت للواجهةِ.

إنَّ أسوأَ استغلالٍ للتشهيرِ بالآخرين، تلكَ التي تكونُ دوافعهَا الحقيقيَّة، انتصارًا لميولٍ رياضيَّةٍ، أو تحقيقًا لغايةٍ شخصيَّةٍ، أو ركوبَ موجةِ زيادةِ المشاهدةِ، كونها تصدرُ من فئةٍ جاهلةٍ وناقمةٍ، لا يوجدُ بقاموسِها غيرُ الغلِّ والحقدِ وعباراتِ الردحِ والتشكيكِ والشتيمةِ، ولا تحلمُ بأكثرِ من هدمِ حياةِ الفئةِ الناجحةِ، وتشويهِ إنجازاتِهَا العريقةِ، وإنهاءِ مسيرتهَا الحافلةِ، حتَّى وإنْ لم يكنْ لهم أيُّ حقوقٍ، ولم يكنْ بينهم أيُّ علاقةٍ، ولم يحدث بينهم أيُّ عمليَّةٍ شرائيَّةٍ، لذلك حكِّم عقلَكَ، وتذكَّر قبلَ أنْ تطلقَ أحكامكَ، مقولة ذلك العجوزِ الحكيمِ: يا بُنيَّ لا تُصدِّقْ أقوالَ النَّاسِ فإنَّهم مصابُونَ بـ(مرضِ التَّشهيرِ بالآخرينَ)!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store