Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

البناء.. بين البشر والحجر

شذرات

A A
الذينَ يستهدفُون هدمَ الحضاراتِ؛ بسببِ البغضاءِ والعدوانيَّةِ، يعتمدُونَ دومًا على وسائلَ يغفلُ عنهَا الشيطانُ، وتكونُ البدايةُ بالنَّيلِ من الكيانِ الكبيرِ، وهي «الأسرةُ»، بصفتِهَا ركيزةَ أيِّ مجتمعٍ من المجتمعاتِ، فإذَا نالُوا ما يريدُون؛ ينتقلُون إلى المرحلةِ التي تليهَا، وهي هدمُ التَّعليمِ.

فالأسرةُ يسعُون إلى هدمِهَا بتغييبِ دورِ الأمِّ، ونكرانهِ كَرَبَّةِ منزلٍ، أمَّا هدمُ التَّعليمِ فيكونُ بتهميشِ دورِ المعلِّمِ والتَّقليلِ من مكانتِهِ.

والمرحلةُ التي تليهَا مباشرةً، هي التسلُّطُ على المفكِّرينَ والعلماءِ بالطَّعنِ فيهم، والتَّقليلِ من شأنِهم حتَّى لا يقتدِي بهم أحدٌ.

فإذَا اختفت الأمُّ الواعيةُ، واختفَى المعلِّمُ المخلصُ، وسقطت القدوةُ، فمَن يُربِّي النشءَ على القيمِ؟، ومَا هو مصيرُ المجتمعاتِ المستهدفةِ؟.

هذه الأوتارُ يعزفُ عليهَا الصهاينةُ منذُ أمدٍ، ويلتقُون كلَّ عامٍ لتقييمِ ما خطَّطوا له، ويُجرُون أيَّ تحديثٍ يطرأ، يرصدُون كلَّ مجتمعٍ مستهدفٍ، يتعلَّمُون لغتَهم وعاداتِهم وتقاليدَهم ومعتقداتِهم، يعتمدُون على خونةِ أوطانِهم ويحتضنونَهُم، يتدارسُون الخلافاتِ جيدًا؛ للسَّعي الحثيثِ إلى انتشارِهَا وتوسيعِ دائرتِهَا.

هم يمتلكُون الكنوزَ من المعلوماتِ التي وفَّرتهَا الآنَ التقنياتُ الحديثةُ بشكلٍ أوسعَ، ويُحرِّكُون حجارةَ «الضَّامةِ» عن بُعدٍ، وعبرَ وسائلِ التواصلِ المتنوِّعة، ولديهم إعلاميُّون مدرَّبُون على التشويشِ وغرسِ الأفكارِ المؤدِّيةِ إلى نزعِ الثقةِ بينَ الحكامِ بعضهم بعضًا، أو بينَ الشعوبِ بعضهَا بعضًا، لإشعالِ النزاعاتِ. ولنَا أنْ نتصوَّر ما سيترتَّب عليهَا من انشقاقٍ في الصفوفِ.

الحركةُ الصهيونيَّةُ لم تتوقَّف أنشطتهَا منذُ أكثر من قرنٍ من الزَّمان، كانَ من بينهَا وعدُ بلفور بإقامةِ وطنٍ قوميٍّ لليهودِ عام 1917م، وقد تحقَّق في عامِ 1948م، بزرعِ إسرائيلَ في أرضِ فلسطينَ من خلالِ القتلِ والتهجيرِ لإبعادِ الفلسطينيِّين عن أرضِهم، وما زالُوا ماضِين في هذَا الطَّريقِ بطموحاتٍ تتجاوزُ هذهِ الحدودَ بكثيرٍ.

العديدُ من المؤامراتِ التي تُحاك بالشُّعوبِ العربيَّةِ بمَا فيهَا ما يُسمَّى بـ»الرَّبيعِ العربيِّ»؛ هي مخطَّطاتٌ صهيونيَّةٌ تجدُ المؤازرةَ من صنَّاعِ القرارِ في الولاياتِ المتحدةِ والغربِ. وهُم يدركُون جيدًا تأثيرَ الصهيونيَّةِ على الانتخاباتِ لديهم، فالتوغل الصهيوني يمتد ليصل إلى العمق في الشأنِ الدَّاخليِّ لأمريكَا.

الحربُ في غزَّة كشفتْ -بشكلٍ جليٍّ- ذلكَ التأثيرَ المرعبَ، وأمامَ هذَا الأمرِ كانَ لا بُدَّ من توحيدِ الصفِّ العربيِّ، وبناءِ الكوادرِ البشريَّةِ قبلَ الخوضِ في بناءِ الحجرِ، وتقويةِ الجبهاتِ الداخليَّة؛ لكي تدركَ المخاطرَ المحدقةَ بها.

ماذَا فعلت الصينُ عند بناءِ سورِ الصينِ العظيمِ؟، استطاعَ الأعداءُ أنْ يقدِّموا الرشاوَى للحرَّاسِ لاقتحامِ ذلكَ السورِ العملاقِ.

وبالتَّالي فإنَّ بناءَ البشرِ أهمُّ بمراحلَ عديدةٍ من بناءِ الحجرِ، ولا أدرِي إذَا كانت الدراساتُ والأبحاثُ قد شجَّعت على التَّزامنِ بينَ بناءِ البشرِ والحجرِ معًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store