Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

بناء الجسور الإسلامية.. امتداد للجسور العالمية

A A
‏برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ انطلق مؤتمر (بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية) مساء الأحد ٧ رمضان في مكة المكرمة، فجمع شرف الزمان وشرف المكان؛ فمن جوار بيت الله الحرام انطلق المؤتمر لرسم ‏معالم العلاقات بين مكونات المذاهب الإسلامية، وبناء جسور من الإخاء والتعاون، ‏لمواجهة التحديات التي تعصف بالأمة الإسلامية.

‏ولم يكن هذا المؤتمر إلا متابعةً لسلسلة الجهود الجبارة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، على يد الباني الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، ثم بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والذي على إثره تم تأسيس عدة مراكز في إسبانيا، والنمسا، ولندن، وإيطاليا لتحقيق السلام بين أتباع الديانات، وتشجيع الحوار الإنساني الهادف، وتعزيز المشتركات الإنسانية والقيم الأخلاقية بين الشرق والغرب، ونبذ كافة أشكال الكراهية والتطرف.

ولعل ما تبع ذلك من جهودٍ مباركة بقيادة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، بعقد مؤتمر: (بناء الجسور بين الشرق والغرب) ٢٠٢٢م من أجل عالم أكثر تفاهماً ومجتمع يتعايش بالأمن والسلام، والذي أعلن عنه في قمة العشرين G20 لمشاركة كبار المختصين والعلماء والمفكرين، لمناقشة الأمور الإنسانية والاجتماعية. كما زار معاليه إيطاليا، وألقي كلمة ممثلي الدين الإسلامي في الفاتيكان، وبحضور ناهز ٣٥٠٠ مدعو. وقد حققت زيارته نجاحات باهره في رسم صورة الإسلام التي تقوم على الوسطية والاعتدال، بل ونبذ كافة أشكال التطرف والكراهية، والعمل على مبدأ الأخوة الإنسانية ووحدتها، والتكريم الإلهي للإنسان من دون الكائنات الحية، ليكون خليفته في الأرض لعمارتها والحفاظ عليها.

‏ولكن كيف يكون تواصلنا مع الآخر مقنعاً؟ إذا كان هناك بيننا مَن يدعو للتشرذم وسيادة المذهبية والطائفية في الدين الواحد، بل وصراعات فقهية وعقدية وتكفير الآخر؟، وهذا مما يقوض فرص التعايش مع الآخر، وفقد الثقة بديننا وقيمنا وأخلاقنا.

فجاء المؤتمر ليؤكد على جهود المملكة الجبارة لتوحيد كلمة المسلمين، وضرورة التركيز على المشتركات في هذا الدين العظيم؛ فالمسلمون تجمعهم عقيدة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وكتاب واحد تكفَّل الخالق العظيم بحفظه فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. بل وقبلتنا واحدة، ونتبع أركان الإسلام وفرائض الدين؛ من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج بيت الله الحرام.. هذه هي المشتركات الإنسانية التي تجمعنا على الحق، والعدالة، والسلام.. بل حتى السنة النبوية الشريفة، وهي مصدر التشريع الثاني للأمة، مليئة بالمشتركات الإنسانية، وتدعو للتآخي، فالمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. ولا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى.. هذه المشتركات القيمية كفيلة بوحدة الأمة، ومن ثم القدرة على إقناع الآخر بقيمنا وأخلاقنا.

كما لفت ‏معالي الدكتور العيسى في ختام كلمته في المؤتمر إلى أن التنوع المذهبي يؤكد أن الأمة الإسلامية بخير، وأن علماءها هم القدوة الحسنة والمثل الشرعي. بل أكد أن التنوع سنة من سنن الله تعالى في خلقه. وانتقد ما تثيره الشعارات الطائفية والحزبية من صدامات وصراع مذهبي، وتأجيج للخلافات في وسائل الإعلام.

‏وأتمنى إصدار فتوى بسن قوانين في الدول الإسلامية كافة؛ بتجريم الأفراد والهيئات والجمعيات، والقنوات الفضائية والمنصات، التي تؤجج الطائفية والحزبية والحملات المغرضة، وتزرع بذور الفتنة والتشرذم، لأنها حملات تضعف الأمة الإسلامية وتدعو للتفرقة، وأنها من الإفساد في الأرض.. خاصةً وأن هناك إجماعاً من العلماء في الوثيقة التي صدرت عن المؤتمر على أهمية الوحدة الإسلامية، وأنها مفهوم عظيم تعزز جميع العلاقات الفردية والجماعية والدولية.

وشدَّدت الوثيقة على «أنَّ المسلمين بمُختلف مكوناتهم شركاءُ في صناعة حضارتهم الرائدة، ومواجهةِ تحدياتهم الحاضرة، متطلّعين معاً إلى مستقبل واعدٍ، مفعَمٍ بروح الأخوة والتآلف، تَقضي فيه المشتركات الجامعة على أسباب الفُرقة والنزاع، وتَسمُو فيه قيمهم العالية، لتحقيق التفاهم والتعايش والتعاون المشترك».

‏‏وبحمد الله، فإن جهود المملكة تؤتي ثمارها في إعطاء الصورة المشرقة للإسلام، وليس أدل على ذلك من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بشأن «تدابير مكافحة كراهية الإسلام»، وتعيين مبعوث خاص لمكافحة «الإسلاموفوبيا».

شكراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان على دعمهما لمكافحة الأفكار المتطرفة والإرهاب بكل أشكاله، وتبنِّي قِيَم السلام والحوار وتعزيز التعايش، فهذا المؤتمر هو دعم للسلام العالمي من خلال بناء الجسور الإسلامية التي هي امتداد للجسور العالمية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store