Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد الظفيري

رحلتي من القرية

A A
في 1998، خرجتُ من قريتِي في شمالِ شرقِ المملكةِ، متَّجهًا نحوَ الرياض؛ باحثًا عن حياةٍ لأسرةٍ لا تملكُ حتَّى هامشًا يُمكنُ وصفهُ -تجاوزًا- «حياة».

كنَّا نخشَى المُدنَ البعيدةَ، ونؤمنُ بأنَّ مَن يذهب لن يعودَ، يغرق في زحمةِ المدينةِ، وقد «ينسَى» مَن هُم خلفَهُ، ولكنَّها الحياةُ لا تمنحُ الكثيرَ من الخياراتِ.

يدُ أمِّي لا تعرفُ الذَّهبَ، خاتمٌ وحيدٌ قيمتهُ لم تتجاوزْ الـ300 ريال، كانَ هديةً لهَا من أُختهَا؛ اضطررتْ لبيعهِ بـ170 ريالًا، لتُعطينِي ما يكفينِي بالسَّفرِ، كانتْ لا تكفِي، لكنَّها كانتْ أفضلَ من لا شيء، كانَ هذَا أوَّلَ جُرْحٍ في قلبِي؛ تبيعُ أمِّي هديةَ أُختهَا لأبحثَ عن حياةٍ لي ولإخوتِي جميعًا.

حملٌ ثقيلٌ وقعَ على صدرِي؛ أحلامُ أُسرةٍ بأكملهَا أصبحتْ تخنقُ روحِي.

كانَ الطريقُ طويلًا، صمتٌ مُطبقٌ، وجوهُ مَن معِي في حافلةِ النقلِ الجماعيِّ تُشبهنِي تمامًا، نحملُ ذاتَ الملامحِ، وفي صدورِنَا ذاتُ الأمانِي والأحلامُ، تتشابهُ قصصُنَا.

وصلتُ، وبدأتُ رحلةَ البحثِ عن عملٍ، عشتُ أيامًا صعبةً لا يمكنُ وصفهَا، وفي كلِّ مرَّةٍ كانَ رفض طلبِي، أحدُ الذِين رفضونِي الآنَ وبعدَ كلِّ هذهِ السنواتِ يكتبُ عن الحبِّ والسَّلام، وأنَّه كانَ يساعدُ النَّاسَ وأحاديثَ ورديَّة، ابتسمتُ لأنَّي أتذكرُ جيدًا كيفَ كانَ يتعاملُ مع مَن كانُوا يبحثُون عن عملٍ.

عُدتُ بعدَ فترةٍ لقريتِي وقلبِي مُحطَّم؛ لمْ أجدْ طريقًا للحياةِ، كانت الأبوابُ مُغلقةً، والأملُ ترفٌ لا يمكنُ لأمثالِي الحديثُ عنهُ.

أكثرُ مَا كانَ يؤلمنِي حينهَا؛ هُو عدمُ قدرتِي على تحقيقِ أحلامِ أمِّي؛ بأنْ أمنحَ أُسرتِي فُرصةَ العيشِ كمَا الجميعُ، عُدتُ والتزمتُ الصمتَ، وأدركتْ أُمِّي أنَّني عُدتُ بلا شيءٍ؛ كُنَّا معًا نُدركُ الواقعَ لكنَّنا لا نتحدَّثُ عنهُ.

للحديثِ بقيَّة...

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store