Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

ذكريات «مدينية» في زيارة «مكية»!!

A A
تلبيةً لدعوةِ من الشيخِ إبراهيم السبيعي، قمتُ وبصحبةِ أصدقاءَ لي بزيارتِهِ في دارهِ العامرةِ المطلَّةِ على الحرمِ المكيِّ، وفي اللقاءِ العابرِ التقيتُ مع مجموعةٍ من الضيوفِ بعضُهم من المدينةِ المنوَّرة وآخرُون من مدينةِ عنيزة، ومن جميلِ الصدفِ أنْ يكونَ أحد الضيوفِ من جيرانِنَا القُدامَى في المدينةِ المنوَّرةِ الذِين عشنَا وإيَّاهم أُسرةً واحدةً، وهم أصلًا من عنيزة، وهُو الابنُ بسام علي المسند، وكانتْ فرحتِي بلقائهِ كبيرةً؛ لأنَّه حرَّكَ في داخلِي ذكرياتٍ من الماضِي القريبِ، يومَ كنَّا في حارةٍ واحدةٍ، وكنَّا نعيشُ وإيَّاهم في بابِ الكومةِ بينَ جيرانٍ كرامٍ في جزءٍ من بابِ الكومةِ يُسمَّى القشاشيُّ بجوارِ حوشِ خميس الذِي تفصلهُ عن القشاشيِّ سقيفةٌ كانَ يسكنُها العمُّ محمد باتع، وكنَّا -جميعًا- نعيشُ كعائلةٍ واحدةٍ في مكانٍ شبهِ مغلقٍ عبارة عن خمسة عشر بيتًا (عائلة)، هُم عائلةُ عبدالله البسام، وبيتُ شويل، وسليم الوقيصي، وعلي الوقيصي، وعبدالعزيز الشدوخي، ومحمد الأنطاكي، وعبدالعزيز الخاشقجي، وفهد المديني، وسليمان العليوي، وعلي العلاوي، ويوسف البوق، وفاروق التركي، وسعد أبو حسان، ودخيل اللهيبي، وفاضل السادات، وعلي أبو سيف، والشيخ حموده، وبيت أبو زيد، وعبدالله المسند، وعلي المسند، -كان قبله يسكنُ حسن المهندس- وإبراهيم المسند.

والابن بسامُ هُو من أُسرةِ المسند، وهي عائلةٌ كريمةٌ تنتمِي إلى عنيزة، وكانتْ حياتُنَا مع جيرانِنَا في الحارةِ من أجملِ مَا عرفتُ من جيرةٍ، حيثُ كنَّا عائلةً واحدةً، قلوبُنَا على بعضِنَا، مميَّزِين بفزعتِنَا لبعضِنَا، نمثِّلُ البيتَ الواحدَ في المودَّةِ والمحبَّةِ، حقًّا إنَّه جيلُ الطَّيبِين، جيلُ القلوبِ والنفوسِ الطَّيبةِ، تاريخُ حياتِهم تعبرُ عنهُ القصيدةُ المغنَّاةُ بمطلعِ «أهل أوَّل يا فل يا كادي يا كمَّل»، حارةٌ منزوعةُ العنصريَّةِ تمامًا، مباركةُ العطاءِ استمرارًا، الصغيرُ فيها يحترمُ الكبيرَ، البساطةُ حياتُهم، نبيعُ ونشترِي من بعضِنَا في الحارةِ محقِّقين شيئًا من الاكتفاءِ الذاتيِّ (بليلة، شراب توت، آسكريم، حلويات)، نقدِّم خدماتٍ لبعضِنَا مجانًا، نساعدُ بعضنَا في وقتِ الأفراحِ، ونسلِّي بعضنَا وقتَ الأتراحِ، ومهما حصلَ شدٌّ بينَ الأطفالِ والصغارِ أثناءَ اللَّعبِ عندَ الصباحِ، الكلُّ ينسَى مَا حصلَ، ويبادرُ كبيرُنا بحلِّ أيِّ خلافٍ دونَ أنْ يكونَ هناكَ تدخلٌ من غريبٍ عن الحارةِ.

عند بوح مثل هذه الذكريات فإنَّ الأماكن كلها تكون مشتاقة لك، حتى ولو غدت اليوم تلك الأماكن صوراً في الأذهان فقط، ولم يبق منها إلا جبل سلع، الذي كنا نرى من خلاله أنوار المدفع عندما يضرب؛ إيذاناً بالإفطار في رمضان.

ومن جميلِ الصدفِ أنْ التقيتُ في الليلةِ نفسِهِا بمجموعةٍ من أهلِ طيبةِ الطيبةِ، وعلى رأسِهم الدكتور محمد أديب عبدالسلام، هذَا «الأديبُ» الذي ترتسمُ على وجههِ ملامحُ المدينةِ أينمَا ذهبَ أو حلَّ، لقدْ كانَ اللقاءُ فرصةً للحديثِ العابرِ عن شيءٍ من ذكرياتِ المدينةِ وأهلهَا الطيِّبين في مكَّة المكرَّمة في استضافةٍ عابرةٍ في دارِ ابن عنيزة، ووجيهِ جدَّة الشيخ إبراهيم السبيعي -حفظه اللهُ-.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store