Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ليلة القدر

ليلة القدر

A A
مع أسرارِ رمضانَ الخالدةِ، وحكمتهُ الباهرةِ.. مَا فتئت النَّاسُ تتوسمُ ليلتهُ المباركةَ (ليلة القدر) والتي فضلُها يعمُّ المدرَ والوبرَ ما عمَّ الأجدانِ اللَّيل والنَّهار.. إلَّا أنَّ ما يشاهدهُ المحقِّقُ والمتثبتُ لما جاءَ في نصوصِ القرآنِ والسنةِ ممَّا هو مشاهدٌ في وسائلِ التواصلِ والبرامجِ الاجتماعيَّةِ والإعلاميَّةِ، ليرى العجبَ العجابَ من الشبهاتِ والخلطِ في المفاهيمِ أو انحرافِهَا.

وسواسٌ رهيبٌ لعلاماتِ ليلةِ القدرِ وإماراتهَا تمامًا كمَا ينسبُون كلَّ شيءٍ ويضعونهُ من علامةِ السَّاعةِ، وإنْ لمْ يرد النصُّ بذلكَ؛ وممَّا وردَ في ليلةِ القدرِ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- جمعَ الصحابةَ ليخبرهُم متَى هِي بعينِهَا؟ حتَّى تشاجرَ اثنانِ أمامَهُ، وكعادةِ الخلافاتِ المشؤمةِ فهِي لا تأتِي إلَّا بذهابِ الريحِ والقوةِ والفشلِ المتفشِي.. فلقدْ أضاعَ هذَا الخلافُ ليلةَ القدرِ تحديدها، وللهِ الحكمةُ، فعن عُبادةَ بن الصَّامتِ قال: خرَج النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ليُخبِرَنَا بليلةِ القَدْرِ، فتَلاحَى رجُلانِ مِن المسلِمِينَ، فقالَ: (خرجتُ لأُخبِرَكُم بليلةِ القَدْرِ، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ؛ فرُفِعتْ! وعَسَى أنْ يكونَ خيرًا لكُم؛ فالْتمِسُوهَا في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخَامسةِ) وفي أرجحِ الأحاديثِ في العشرِ الأواخرِ، لاسيَّما الوتر منهَا.. علمًا بأنَّه قد يدخلُ الشكُّ بحكمِ ترائِي الهلالِ لأنَّ مرجعَ ذلك اجتهادُ البشرِ الذي قد يخطئُ ويصيبُ بسببٍ من الأسبابِ، أمَّا منهجيَّةُ تحديدِ رمضانَ بالهلالِ فهُو صحيحٌ بصريحِ النصِّ من القرآنِ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، ومن الأمثلةِ على وهمِ النَّاسِ أنَّ الهلالَ إذَا كانَ كشقِّ جفنةٍ وخالطَ هذَا الليل مطرٌ فهذَا من علاماتِهَا.. والحقيقةُ أنَّ هذَا أتَى في سياقِ الشيءِ بالشيءِ يُذكر، وليسَ من علاماتِهَا؛ وجلُّ الأمرِ في هذا قد مرَّت ليلةُ القدرِ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ولم يعلمهَا، وحينمَا مضتْ أتاهُ خبرهَا في رؤيَا منامٍ.

ورؤيَا الأنبياءِ حقٌّ.. فذكَّر أصحابَهٌ بهذهِ الأحداثِ المرافقةِ.. فقالَ أتذكُرُون حينمَا كانَ القمرُ كشقِّ جفنةٍ وليلة صبيحتهَا مطرٌ وطينٌ في تلكَ الليلةِ وافقتْ أنْ تكونَ ليلةَ القدرِ فيمَا مضَى ومن أوهامِ النَّاسِ أيضًا غيابُ نباحِ الكلابِ ونهيقِ الحميرِ علامة، وهذا غيرُ صحيحٍ.. فقدْ تنبحُ الكلابُ في ليلتهَا إمَّا لرؤيةِ إنسانٍ اقتربَ منهَا كعادتِهَا أو مشاجرةٍ بينهَا وليسَ صياحُ الديكةِ دليلًا يصحُّ كذلك.. وأيضًا لا يرمى فيهَا بنجمٍ فهذَا ضعيفٌ إلَّا إذَا كانَ المقصودُ لا يُرمَى فيهَا الشياطِين.. وأمَّا ما قد يسقطُ من نيزكٍ أو شهابٍ بسننِ القوانينِ والطبيعةِ من جاذبيَّةٍ وغيرها فقد تحدثُ.

بل هناك خلافٌ في تصفيدِ الشياطِين في رمضانَ فالغالبُ أنَّه تصفيدٌ للمردةِ؛ بينمَا الضَّعيفُ منهَا والقرينُ فهو ثابتٌ معنَا في أيِّ زمانٍ ومكانٍ وهذا الأرجحُ..

إذنْ فما هي علاماتهَا الصحيحةُ مع هذَا الإشكالِ والخلطِ؟ الجوابُ: هي خمسُ علاماتٍ لا حارَّة ولا باردة، فهي معتدلةٌ بقياسِ كلِّ بلدٍ سمحةٍ تُقضَى فيها الحوائجُ وتتيسَّر.. طلقةٌ لا يضيقُ فيها النَّفسُ كأنَّ الأكسجينَ مكثفٌ فيهَا حتَّى المدن الكاتمة حينهَا.. بلجة نيِّرة كأنَّ فيهَا بدرًا يفضحُ كواكبهَا لاحظْ كثرةَ الملائكةِ المخلوقِين من نورٍ في ليلتهَا. ثم تكتملُ العلاماتُ هذهِ في صبيحتهَا بعلامةٍ مفصليَّةٍ أنَّ الشَّمسَ تطلعُ في صبيحتهَا حمراءَ ضعيفةً لا تلبثُ أنْ تصيرَ بيضاءَ لا شعاعَ لهَا وذلكَ على قيدِ ارتفاعِ رمحٍ من إشراقِها.. شريطة أنْ يكونَ رصدهَا بعيدًا عن المدنِ وأدخنةِ المصانعِ وحجبةِ الغيومِ والبخارِ.. فالقياسُ فيهم فاسدٌ وغيرُ دقيقٍ.. وللشيخِ الأردنيِّ عبدالله الغندور إسهابٌ في هذَا.. والأهمُّ علينا ألَّا نغفلَ عن عظيمِ قدرهَا وجليلِ بركتهَا فهي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store