Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الخيارات الشخصية.. ونصائح الآخرين

A A
إضافةً إلى الظروفِ القاهِرة، الحياةُ تدور حولَ خياراتٍ نقومُ بها في مَراحل حسّاسة من حياتِنا وتطوّرنا، والمُعضلة، أنّ كثيراً من تلك الخَيارات، تظهرُ ونحنُ في مرحلةٍ معرفيةٍ نفسيةٍ قد لا تتناسبُ مع خطورةِ تلك الخَيارات، فهي ستؤثّر على حياتِنا ومُستقبلنا بقدْرٍ أكبرَ ممّا نظن، وستضطرُّنا لمُواجهةِ مُضاعفاتها حين تكون قدرتُنا على إصلاح العطَب ضعيفةً وأقلّ فعاليّة.

ففي المَراحل الأولى من حياتِنا، لا يُسعفنا التعليمُ الذي تلقّيناه، ولا التربيةُ المُجتمعية، لاتّخاذ القراراتِ المُناسبة، بل ما نتعلّمه في الغالب، اختياراتٍ يجبُ علينا اتّخاذُها، وقد يتمّ فرضُها من أشخاصٍ تقصرُ معرفتُهم عن قُدراتِنا النفسية وميولِنا الفكرية ومواهبِنا الشّخصيّة الحقيقية. إننا قابلون للتأثّر السّريع بآراءِ الآخرين المفروضةِ علينا ضمناً، نتيجة قصورِنا عن اتخاذِنا القراراتِ بأنفسنا، وإهمالِ مُعظم المُعلّمينَ تعليمَنا طُرق التفكير المنطقيةِ السّليمةِ من الأساس، أي كيف نُفكّر بأنفسِنا، ومن ثمّ نقرّر ما نراهُ مناسباً لأحوالِنا وظروفِنا وقُدْراتنا، بعد طرحِ الاختياراتِ ببدائِلها.

وعلى الرُّغم من صِدْق نيّة من تبرّعوا بالقراراتِ التي ستشكّل مُستقبَلَنا بصورةٍ أو بأُخرى، فإنّ آراءَهم تستندُ على تبريراتِهم الشّخصيةِ، وتقييمِهم للمخاطِر والفوائد، وقُدرتِهم على تحمّل تلك المَخاطر، وليسَ بالضرورةِ انطلاقاً من رغبَاتِنا الشّخصية ومواهِبنا الفِكرية وقدراتِنا النفسيّة.

لذلك، مِن الضروري أن يسعى التعليمُ الأوّلي، والتربيةُ العائلية والمُجتمعية، إلى تغييرِ طريقةِ التّعليمِ وإعادة ضبط طبيعةِ التّفكيرِ لدى النشء، والتّعاطي مع تعليمِهم المُبكّر للإجابةِ على السُّؤال الأهمّ: «ما هو الخَيار الذي ستشكرني عليهِ نفسي في المُستقبل؟».. وبمعنى آخَر، «ما هو القرار الذي سأندمُ في النهايةِ على عدمِ اتخاذه؟».

ففي عالمٍ مليءٍ بالرُّؤى المُتباينة، مِن السّهل أن تَضيعَ وسْط الضّجيج، وعند اتخاذكَ قراراً ما، ينتهزُ بعضُ الناس الفرصةَ للتبرّع السّخيّ بآرائِهم، مِن غيرِ استرشادٍ بكَ وبِما تُريد أو تُحب. إنّ الخوفَ من اتّخاذ قرارٍ مُهم، يأتي من استشرافِ الفَشلِ ومواجهةِ النّدم في المُستقبل، لكنّ الشّجاعة المُستنيرةَ يجبُ أن تتحكّم في المَسير، لأنّ الخُطورةَ تكمنُ في أنّه يُمكن أن تعيشَ حياةً عمياءَ لا تُشبُهك على الإطلاق.. لذا تذكّر هذا في المرّة القادِمة التي تكونُ فيها في حيْرة مِن أمرِك بشأنِ اتّخاذ أيّ قرار: تخلّص من الضّوضاء، وقُم بالاختيارِ الذي ستشكرُك عليهِ نفسُك المُستقبليّة، أو على أقلّ القليل.. حاوِل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store