Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

عكس اتجاه البوصلة

A A
تُعدُّ المملكةُ من أكبرِ الدولِ المستوردةِ للسلعِ والمنتجاتِ من الصينِ، حيثُ وصلَ حجمُ الاستيرادِ لـ712 مليارَ ريالٍ في عامِ 2022 من التِّنينِ الصينيِّ فقطْ؛ ممَّا يُشكِّلُ تحدِّيًا كبيرًا للاقتصادِ الوطنيِّ، ويُؤثِّر سلبًا على مستقبلِ الصناعةِ المحليَّةِ، وفي ظلِّ سَعي المملكةِ نحوَ تنويعِ الاقتصادِ، وتقليلِ الاعتمادِ على النفطِ كنقطةِ ارتكازٍ رئيسٍة للاقتصادِ، فهناكَ ضرورةٌ مُلحَّةٌ لإعدادِ شراكةِ إستراتيجيَّةٍ مُلحَّةٍ مع الصِّينِ، تُساهمُ في تحقيقِ التنميةِ المُستدامةِ، وتُمكِّن المملكةَ من تحويلِ هذَا الاستيرادِ إلى نقطةِ قوَّةٍ، عبرَ إستراتيجيَّةٍ مدروسةٍ.

ولكنَّ السؤالَ الذِي يطرحُ نفسَهُ -الآنَ- وبقوَّةٍ، هو: مَا هِي هذهِ الإستراتيجيَّةُ؟ وكيفَ تُطبَّق؟

وخلالَ السطورِ التاليةِ سنُحاولُ الردَّ على التساؤلِ المشروعِ بصورةٍ عمليَّةٍ، فهذهِ الإستراتيجيَّةُ المُقترحةُ تشترطُ أنْ يكونَ جزءٌ من المُنتجاتِ الصينيَّةِ المُصدَّرةِ للمملكةِ، تحتوِي على مكوِّناتٍ محليَّةِ الصُّنعِ، بنسبٍ معيَّنةٍ قابلةٍ للزيادةِ بالتدريجِ، وصولًا إلى نسبٍ معتبرةٍ، وتقديمِ حوافزَ ومزايَا للشَّركاتِ المحليَّةِ لزيادةِ الإنتاجِ وتطويرِ المُنتجاتِ المحليَّةِ، بمَا في ذلكَ الإعفاءاتُ الضريبيَّةُ، والدَّعمُ الماليُّ، وتسهيلُ الحصولِ على التمويلِ، حتَّى لا يكونَ المنتجُ المستوردُ المنقولُ عبرَ آلافِ الأميالِ، أرخصَ من نظيرهِ المحليِّ المصنوعِ في البلدِ نفسهِ، فالبعضُ يستسهلُ ذلكَ، في إشارةٍ إلى أنَّ شراءَ المُنتجِ المستوردِ أفضلُ من التَّصنيعِ المحليِّ، وهذَا ليسَ مقبولًا.

ليسَ هذَا فقطْ، بلْ إنَّ هناكَ ضرورةً للاتفاقِ مع الشركاتِ الصِّينيَّةِ على نقلِ المعرفةِ والخبرةِ إلى الشركاتِ المحليَّةِ، من خلالِ برامجَ تدريبٍ وتعاونٍ تقنيٍّ، وتشجيعِ الشركاتِ الصينيَّةِ على تأسيسِ مشروعاتٍ مشتركةٍ مع الشركاتِ المحليَّةِ؛ ممَّا يُساهمُ في نقلِ التكنولوجيَا والمعرفةِ، وخلقِ فرصِ عملٍ جديدةٍ.

ولكَي تكونُ الإستراتيجيَّةُ شاملةً وكاملةً، فلا يجبُ أنْ ننسَى التنسيقَ مع الاستثمارِ في التعليمِ، خاصَّةً في المهاراتِ المطلوبةِ، بعيدًا عن الدراساتِ والعلومِ النظريَّةِ غيرِ المطلوبةِ في سوقِ العملِ، وتضيف إلينا سنويًا العديد من العاطلين، ولذلك هناكَ ضرورةٌ للاهتمامِ بالتدريبِ المهنيِّ؛ لرفعِ مستوَى مهاراتِ الفنيِّين السعوديِّين، وتأهيلِهم للعملِ في الصناعاتِ المختلفةِ، ومِن ثمَّ إطلاقُ برامجَ توعيَّةٍ تُشجِّعُ على استهلاكِ المُنتجاتِ المحليَّةِ الصُّنعِ، ودعمِ الشركاتِ المحليَّةِ.

فليسَ من المقبولِ، أنْ يقومَ المعتمرُ الذِي وصلَ تعدادُه لـ13.5 مليونًا من خارجِ البلادِ في 2023، أو الحجَّاجُ الذِين وصلَ تعدادُهم لـ1.6 مليون حاجٍّ من الخارجِ، أو المقيمُونَ الأجانبُ في السعوديَّةِ الذِين وصلَ تعدادُهم لـ13.3 مليونًا، بما يمثِّل 41.6% من إجماليِّ عددِ السكَّانِ البالغِ 32.2 مليونًا، وفقًا لتعدادِ السعوديَّةِ 2022، أنْ يقومُوا بشراءِ الهدايَا عندَ العودةِ إلى بلادِهِم، تبرُّكًا بأرضِ المملكةِ المقدَّسةِ، وفي النهايةِ هذهِ الهدايَا مستوردةٌ من الصِّينِ، ولا يوجدُ منهَا مَا هُو صُنعَ في السعوديَّةِ، وفي الأغلبِ لا تخرجُ عن بعضِ الصناعاتِ البسيطةِ مثل: «السبحةِ والسجادةِ والجلبابِ الإسلاميِّ وألعابِ الأطفالِ، وخلافه...»، فالاهتمامُ بهذهِ الصناعاتِ البسيطةِ كفيلٌ بتحقيقِ نهضةٍ اقتصاديَّةٍ كُبْرى في الصناعاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ، وقدْ تكون نواةً للصناعاتِ الكُبْرى، وهذَا مَا تحدَّثنا عنهُ بالتفصيلِ في مقالةِ «صناعةِ الهدايَا ليسَ ترفًا».

وبالتزامن مع هذه الشراكة مع الصين، هناك ضرورة للعمل على الاستفادة من موقع المملكة الإستراتيجي؛ لكي تتحول إلى مركز لوجستي إقليمي للتصدير والاستيراد؛ مما يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة، واستغلال الثقل السياسي والاقتصادي لتحويل المملكة إلى بوابة تجارية بين الشرق الأوسط وبقية دول العالم، وهذَا لنْ يحدثَ إلَّا مِن خلالِ دعمِ المستثمرِ المحليِّ في البدايةِ، فالمستثمرُ الأجنبيُّ لنْ يأتِي، إلَّا عندمَا يجدُ البيئةَ مواتيةً لنظيرهِ المحليِّ، وبالتَّالي جذب المزيدِ من الاستثماراتِ الأجنبيَّةِ، خاصَّةً في مجالِ التَّصنيعِ؛ ممَّا يُساهمُ في تعزيزِ ودعمِ الاقتصادِ الوطنيِّ.

وأخيرًا وليسَ آخرًا، فمَا أريدُ أنْ أقولَهُ، هُو أنَّ الصناعةَ هِي الحلُّ الأوَّلُ والأخيرُ، لتعافِي اقتصادِنَا من الاعتماد على النفطِ، وهذَا مَا أكَّدهُ الملكُ سلمانَ ووليُّ عهدِهِ محمد بن سلمان -حفظهما الله- وفي سبيلِ ذلكَ أطلقَ رؤيةَ «2030»؛ لتنويعِ مصادرِ الدخلِ، والحفاظِ على مستقبلٍ أفضلَ للعبادِ والبلادِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store