Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

مَن نحنُ؟ وأينَ نحنُ؟!

A A
وأنَا أستلهمُ حالَ الأُمَّةِ العربيَّةِ عبرَ التاريخِ القديمِ والحديثِ، من خلالِ قراءاتِي الرسميَّةِ والثقافيَّةِ، استقيتُ من خلالِهَا الكثيرَ من المعلوماتِ -الحقيقيُّ منهَا والمكذوبُ- فوجدتُ أنِّي أقفُ عاجزًا عن الإجابةِ عن هذَا التساؤلِ العريضِ الذِي يتَّسعُ بمساحةِ هذَا الوطنِ العربيِّ العريضِ وهُو: مَنْ نحنُ؟ وأينَ نحنُ؟

ولعلِّي هنَا -ومن خلالِ ذلكَ الإستلهامِ المشوَّشِ- أخالفُ تمامًا المعيارَ الذِي وضعَهُ الشَّاعرُ الكبيرُ (المهايطي) عمرو بن كلثوم.

نحنُ -العرب- ضمنَ المجتمعِ البشريِّ نتَّفقُ معهُ في المزايَا التي مُنحتْ من اللهِ تعالَى للبشرِ جميعًا -الفكريَّة منهَا والاجتماعيَّة-.

نحنُ -العرب- منحنَا اللهُ أيضًا مزايَا طبيعيَّةً أفضلَ من غيرِنَا فيهَا الكثيرُ من المقوِّماتِ التنمويَّةِ التي تكتنزُهَا أوطانُنَا كالثَّرواتِ الطبيعيَّةِ في باطنِ الأرضِ، وعلى ظهرِهَا، ونسيطرُ على المواقعِ الإستراتيجيَّةِ التي تتحكَّمُ في شرقِ العالمِ وغربِهِ وشمالِهِ وجنوبِهِ، والتي تدفعُنَا إلى أنْ نكونَ ضمنَ دائرةِ الأُممِ المتقدِّمةِ.

نحنُ -العرب- مَن فرَّقتنَا العصبيَّةُ القبليَّةُ والمذهبيَّةُ والطائفيَّةُ، التي قالَ عنهَا رسولُ اللهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- (منتنةٌ)، فاشغلتنَا بصراعاتِهَا منذُ عهدِ داحسِ والغبراءِ، وعبسٍ وذبيانَ، وبكرٍ وتغلبِ، والأوسِ والخزرجِ، ومنذُ أنْ قالَ الشَّاعرُ المهايطي عمرو بن كلثوم أبياته لتصبحَ معيارًا للهدمِ والتخلُّفِ حينَ قالَ:

بِأَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا

وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا

وَأَنَّـا المَانِعُـوْنَ لِمَـا أَرَدْنَـا

وَأَنَّـا النَّـازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَـا

وَأَنَّـا التَـارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَـا

وَأَنَّـا الآخِـذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَـا

وَأَنَّـا العَاصِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا

وَأَنَّـا العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا

وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـوًا

وَيَشْربُ غَيرُنَا كَدرًا وَطِينًا

مَلأنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا

وَمَاءُ البَرِّ نَمْلؤهُ سَفِينًا

إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لنَا صَبِيٌّ

تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِدِينَا

فانشغلنَا بذلكَ المعيارِ نعيشهُ بكلِّ تفصيلاتِهِ، ونتباهَى بهِ وتركنَا العالمَ من حولِنَا يتطوَّرُ وينمُو حضاريًّا وفكريًّا.

نحنُ -العرب- من بعث الله فينا رسولا منا؛ ليخرجنا منَ الظُّلمَاتِ إِلَى النُّورِ، اصطفاهُ اللهُ وهيَّأهُ ليكونَ لنَا القُدوةَ والنِّبراسَ، وأنزلَ معهُ كتابًا لَا يَأتِيهِ البَاطلُ مِن بينِ يديهِ ولَا مِن خلفِهِ، كاملًا تامًّا فيهِ تبيانٌ لكلِّ شيءٍ، وفيهِ تفصيلٌ لكلِّ شيءٍ؛ ليكونَ لدينَا دستورٌ صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ لنعملَ بهِ، وأصبحَ لدينَا قدوةٌ ونبراسٌ في القيمِ والسلوكاتِ، لكنْ للأسفِ هجرنَا ذلكَ الكتابَ العظيمَ في مضامينهِ العقليَّةِ والاجتماعيَّةِ وجعلنَاهُ كتابًا مزخرفًا تزدانُ بهِ الرفوفُ، ويتنافسُ الكثيرُ منَّا في ترديدهِ عبرَ الحناجرِ فقطْ دونَ تفكُّرٍ وتدبُّرٍ لمضامينِهِ.نحنُ مَن أجَّرنَا عقولَنَا للغيرِ؛ ليفكرَ نيابةً عنَّا، وجعلناهُ يحرِّكنَا بتلكَ العقولِ كالدُّمَى.

نحنُ -العرب- مَن نتباهَى أمامَ الدولِ المتقدِّمةِ بعلماءَ كانُوا فخرًا للعلمِ، ومنطلقًا للحضارةِ، لكنْ -للأسفِ- حاربنَاهُم وكفَّرنَاهُم وزندقناهُم وجززنَا رؤوسَهُم، نعمْ.. هُمْ ليسُوا من جذورِنَا، لكنَّ الإسلامَ ألبسَهُم عباءَتنَا.

نحنُ -العرب- مَن نلبسُ من نتاجِ غيرِنَا، ونتطبَّبُ مِن علاجِ غيرِنَا، ونتمتَّعُ بتقنياتِ صنعَهَا غيرُنَا.

نحن -العرب- من نتسابق لأداء الصلاة، والصيام، والحج والعمرة، لكن لم نعمل بغاياتها، فتنهانا عن المنكر، وتأمرنا بالمعروف، وتحثنا على الإخلاص في العمل، وعدم قذف وغيبة وبهتان الآخرين، ولم تنهَنا عن الرياء، وسرقة المال العام، فأصبحت عباداتنا جوفاء، لم تزدنا إلا بعداً عن الله.

ونتيجةً لذلكَ كلِّه أصبحنَا محلَّك سِر، نعيشُ الماضِي بحذافيرِهِ، ونسينَا المستقبلَ بمخرجاتِهِ، فأصبحنَا أُمَّةً فاغرةً بالتَّعجبِ من هذَا التقدُّمِ المذهلِ، فاغرةً بالهياطِ والشِّجارِ، حتَّى أصبحنَا أُمَّةً خاويةً تعيشُ في ذيلِ الرَّكبِ العالميِّ، ويبقَى الأملُ فِي اللهِ تعالَى -أولًا- أنْ يبعثَ لنَا مَن يعيدَنَا إلى مسارِ الحياةِ الناميةِ؛ لنلحقَ -ولوْ بعَدَ حينٍ- بمَن حولنَا من الأُممِ المتقدِّمةِ، وذلكَ علَى اللهِ ليسَ ببعيدٍ.. واللهُ من وراءِ القَصدِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store