Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مِشْعال القرية

مِشْعال القرية

بصراحة.. وأشياء أخرى

A A
«مشعالنَا وري وري.. تالخزَّة وانحن سالمين»

هذهِ الأهزوجةُ من زماناتِ القريةِ بريفِ الجنوبِ تُقال في أوَّلِ ليالِي عيدِ الفطرِ السعيدِ؛ تعبيرًا عن فرحةِ الأهالي بالعيدِ، وأذكرُ ذاتَ رمضان كريمٍ حينَ كنَّا صغارًا نأخذُ عشبةَ «العرعر»، والذي تُملأ بهِ «ركايب» ومساريب القُرى بالباحةِ، تحديدًا في كلِّ بين قديمهَا وجديدهَا، وهذهِ الشجرةُ لهَا نوافعهَا الجمَّةُ، منهَا مثل معالجةِ الجروحِ، وإيقافِ الدماءِ، وطعمها مُرٌّ جدًّا، يؤكلُ مضغًا في الفمِ، ثمَّ يُوضع حالًا على موضعِ الجرحِ فيتوقَّف الدَّمُ فورًا، وكأنَّ شيئًا لمْ يكنْ!

كنَّا نأخذُ هذهِ الشجيراتِ بعدَ أنْ تيبسَ لنصنعَ منهَا حطبًا، ونجمعهَا ركامًا فوقَ بعضٍ مع بعضِ إطاراتِ السيَّاراتِ التالفةِ، ونشعلهَا في أوَّلِ ليلةٍ من ليالِي العيدِ السعيدِ في مكانٍ آمنٍ نسمِّيها بقريتنَا «خَيْرَة»، وهكذَا نغنِّي راقصِينَ:

«مشعالنا وري وري.. تالخزَّة وانحن سالمين»

وري وري تعنِي اشتعل نورًا وبهاءً، كأنَّ الشمسَ سطعتْ ليلًا، ومعنَى تالخزَّة أيِّ هذَا الوقتُ سالمِين مقبولِين من صيامٍ وقيامٍ -بإذن الله- يالله مَا أجملَ تلكَ الليالِي وتلكَ الأوقاتِ!

ومن الأهازيجِ الجنوبيِّة كذلكَ ما قالهُ لي أبِي -عليهِ رحمةُ اللهِ- مثل:

«مشعالنا مشعال عيد.. يتلحَّق أطراف السَّما»

وكذلك:

«يا الله تعيِّدنا رضاك.. يا واحدًا ما له شريكٌ»

وكانوا قديمًا يشعلُون هذهِ النارَ على قممِ الجبالِ لتراهُ القُرى المجاورةُ إيذانًا بأوَّلِ ليالِي عيدِ الفطرِ قبلَ ظهورِ الإعلامِ تلفازًا وراديو..

والسؤالُ الآنَ: هلْ بقِي مثلُ هذهِ المظاهرُ في قُرى الجنوبِ، وتحديدًا منطقةَ الباحةِ؟ بعدَ أنْ دخلتهَا المدينةُ، وأصبحتْ شبهَ قريةٍ بعدَ هذَا التطوُّرِ الهائلِ لمناطقِ مملكتنَا الحبيبةِ!

وأودُّ هنَا طرحَ اقتراحٍ على الجهاتِ المختصةِ بأنْ تعيدَ هذهِ العاداتِ القديمةَ الحسنةَ لأجيالنَا القادمةِ مثلِ «المشعال» من خلالِ مشاهدَ تمثيليَّةٍ تتبنَّاهَا الأمانةُ وفنونُ وأدبِي جدَّة.

وأخيرًا...

ألَا ليتَ الزَّمان يعودُ لقريتنا

ونقطعُ ورقَ العرعرِ حطبَ منال

نمنِّي النفسَ بالآمالِ نرسمهَا

فرحةَ العيشِ برقصِ مشعال

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store