Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

حول همجيَّة الطبيعة البشرية

A A
- الطبيعةُ البشريَّةُ تظلُّ بدائيَّةً همجيَّةً في عُمقِهَا، وهِي أسيرةُ مجموعةِ غرائزَ حيوانيَّةٍ وانفعالاتٍ عاطفيَّةٍ، ومَا نُسمِّيه العَقل، ليسَ إلَّا تنظيمًا لتلكَ الغرائزِ والانفعالاتِ والعُقدِ النفسيَّةِ؛ لتصبَّ في المصلحةِ الفرديَّةِ والمكاسبِ الشَّخصيَّةِ، فحسْب.. هذِهِ هِي الحقيقةُ المُجرَّبةُ. إنَّ فَهمنَا لطبيعتِنَا البشريَّةِ كمَا هِي مِن دونِ تجمُّلٍ، يُساعدُنَا على التحرُّرِ من استنزافِ طاقاتِنَا على مُدافعتِهَا ومُقاومتِهَا، ويُكسبنَا قدْرًا أكبرَ من التّسامُحِ والتّصالحِ والسَّلامِ الدّاخليِّ.

- الانحيازُ العاطفيُّ، أمرٌ أصيلٌ في النَّفسِ البشريَّةِ، وهُو يحفِّزكَ دومًا على إيجادِ براهينَ تؤيِّدُ رأيَكَ المُسبَقَ وتؤكِّدُ رغبتَكَ الشّخصيَّة، وهذَا تلقائيًّا يمنعُ عنكَ الشكَّ المَنهجيَّ في مُعتقداتِكَ، ويعزِّزُ أخطاءَكَ، بلْ ويَسُوقُ لهَا الدَّلائلَ المُؤيِّدةَ، تبعًا لقناعاتِكَ المُسبقةِ، وليسَ بناءً على الواقعِ أو الحقائقِ المُثبتَةِ. نحنُ نُعانِي مِن المُبالغةِ في تقديرِ حجمِ ما نعرفُهُ من معلوماتٍ حقيقيَّةٍ صحيحةٍ، لذا فإنَّ الحقيقةَ تُشيرُ إلى هذَيانِنَا بأوهامِ المَعرفةِ، واتِّساعِ مساحةِ جهلِنَا بقدْرٍ أكبرَ بكثيرٍ مِن تصوُّرِنَا.. فمِن المُذهلِ معرفةُ أنَّ أذكَى الأذكياءِ، يُمكنُ أيضًا أنْ يكونَ غبيًّا جدًّا.

- هجمةُ المَشاعرِ.. تلكَ الحالةُ الانفعاليَّةُ التِي تتلبَّسنَا نتيجةَ مواقفَ أو حوادثَ عابرةٍ، تقدحُ زنادَ ذكرياتٍ قديمةٍ وتجاربَ سابقةٍ، أو عقدٍ نفسيَّةٍ كامنةٍ، تظهرُ على هيئةِ تصرُّفاتٍ وردودِ أفعالٍ لا عقلانيَّةٍ تمامًا. فمَع تَزايدِ الضُّغوطاتِ النفسيَّةِ والاجتماعيَّةِ، يُمكنُ للإنسانِ أنْ يُظِهرَ أسوأَ صفاتِهِ وسلوكيَّاتِهِ غيرِ العقلانيَّةِ التِي تغذِّيهَا الغرائزُ البدائيَّةُ، وينفلتَ زمامُ عقلِهِ، ويرتكبَ نزواتٍ وأخطاءَ قد تُورِّطهُ في مُشكلاتٍ ومُضاعفاتٍ مُعقَّدةٍ.. وكلُّنَا مُعرَّضُونَ لتلكَ التَّجربةِ الغريبةِ. يقولُ عالمُ النَّفسِ «إريك فُروم»: (الحقيقةُ أنَّهُ بينمَا نَحيَا تقنيًّا في العصرِ الذرِّيِّ، فإنَّ غالبيةَ البشرِ مازالُوا يَحيُوْن عاطفيًّا في العصرِ الحَجريِّ).

- وعلى الرُّغمِ مِن أنَّنَا أشقَّاءُ في البشريَّةِ، إلَّا أنَّنَا خائفُونَ مُتوجِّسُونَ مُرتابُونَ.. فالبشرُ كائناتٌ خطيرةٌ بِنزْعاتٍ عُدوانيَّةٍ لا يُمكنُ توقُّعُ أفعالِهِم، إنَّهم غيرُ عقلانيِّينَ، ولا رادعَ لهُم أو وازعَ إلَّا مَصالحهُم الشَّخصيَّة، وهُنا أقولُ: أنَا فِي غايةِ التفهُّمِ والتَّصالحِ معَ حقيقةِ ما قالهُ الدكتور «علي الوردي»: (إنَّ الإنسانَ حيوانٌ وابنُ حيوانٍ، وذُو نسبٍ في الحيواناتِ عَريقٌ.. فهُو يودُّ مِن صميمِ قلبِهِ أنْ يكونَ غالبًا، ويكرهُ أنْ يكونَ مغلوبًا على أيِّ حالٍ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store