Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

التَّشهير.. عقوبة صارمة تردع المتحرِّشين

A A
وجدت الخطوةُ التي أقدمتْ عليهَا وزارةُ الداخليَّةِ بالتَّشهيرِ بمَن يثبتُ في حقِّهم ارتكابُ جريمةِ التحرُّشِ، إشاداتٍ واسعةً من كافَّةِ أطيافِ المجتمعِ، كونهَا خطوةً رائدةً يتوقَّع أنْ تسهمَ بفاعليَّةٍ في تقليلِ عددِ هذهِ الجرائمِ، التِي بدأتْ تتفشَّى في مجتمعنَا السعوديِّ، الذِي عُرِفَ بأنَّهُ من أكثرِ المجتمعاتِ المحافظةِ، حيثُ قامت الوزارةُ خلالَ الأيامِ الماضيةِ بإعلانِ أسماءِ اثنَينِ من الذِين ارتكبُوا هذهِ الجريمةَ النكراءَ، أحدهُمَا مقيمٌ عربيٌّ في مكَّة المكرَّمة، والآخرُ مواطنٌ في مدينةِ جدَّة، حيثُ تمَّ توقيفهمَا وتحويلهمَا للنيابةِ العامَّةِ.

وأعلنت الأجهزةُ الأمنيةُ المختصَّةُ أنَّ تلكَ العقوبةَ سوفَ يتمُّ إيقاعُهَا بحقِّ كلِّ مَن تُسوِّلُ لهُ نفسهُ ممارسةَ أيِّ قولٍ أو فعلٍ أو إشارةٍ ذاتِ مدلولٍ جنسيٍّ تجاهَ أيِّ شخصٍ آخرَ، تمسُّ جسدَهُ أو عِرضَهُ، أو تخدشُ حياءَهُ، بأيِّ وسيلةٍ كانتْ، بمَا في ذلكَ وسائلُ التقنيةِ الحديثةِ. كمَا أوضحَ مختصُّونَ أنَّ التَّشهيرَ بالمتحرِّشِ يكونُ بحسبِ جسامةِ الجريمةِ، وتأثيرهَا المجتمعيِّ، وبعدَ اكتسابِ الحُكمِ الصفةَ القطعيَّةَ.

وتعودُ أهميَّةُ هذهِ الخطوةِ وتوجُّهُ وزارةِ الداخليَّةِ لإعلانِ أسماءِ مرتكبِي هذهِ الجريمةِ -في بياناتِهَا الإعلاميَّةِ- إلى أنَّ المجتمعَ السعوديَّ عُرِفَ منذُ الأزلِ بخصوصيَّتِهِ التِي ترفضُ مثلَ هذهِ الممارساتِ الشائنةِ، وتنبذُ مَن يقومُونَ بهَا، لذلكَ فإنَّ ضعافَ النُّفوسِ سوفَ يُفكِّرُونَ في عواقبِ أفعالهِم ألفَ مرَّةٍ قبلَ الإقدامِ عليهَا، ذلكَ أنَّ التَّشهيرَ لا يتوقَّفُ أثرُهُ عندَ المتحرِّشِ فحسبْ، بلْ يصلُ كذلكَ إلى أسرتِهِ وعملِهِ ووظيفتِهِ، والمكانِ الذِي يعيشُ فيهِ، وفي ذلكَ مدعاةٌ للزَّجرِ والتَّأديبِ.

ونعلمُ جميعًا أنَّ المتحرِّشِينَ بالنساءِ ممَّن فقدُوا كرامتَهم واحترامَهم لأنفسِهم يتعمَّدُونَ إيذاءَ ضحاياهُم ويعرضُونهنَّ للتَّحقيرِ والتَّوترِ؛ ممَّا يغرسُ في أنفسهنَّ الكثيرَ من المشاعرِ السالبةِ، إضافةً إلى تعريضِهنَّ للخوفِ والقلقِ والكثيرِ من الأمراضِ النفسيَّةِ التي تصاحبهنَّ لفتراتٍ طويلةٍ. لذلكَ فإنَّ هؤلاءَ المتجاوزِينَ لا ينبغِي أنْ تأخذَنَا بهِم أيٌّ من مشاعرِ الرحمةِ والتعاطفِ، بلْ ينبغِي الوقوفُ في وجوهِهِم وفعلُ كلِّ مَا يؤدِّي إلى ردعِهم.

ومن الآثار الجانبية السالبة، التي تنتج عن قيام البعض بالتحرش بالنساء، أن ذلك قد يكون مدعاة للانتقام من جانب ذوي الضحايا، إذا علموا بما حدث لقريباتهم، وقد يصل بهم الأمر إلى ارتكاب الجرائم؛ لاسترداد كرامتهم التي أهدرها بعض من غابت في أنفسهم قيم المروءة والشهامة، ومنحوا ضمائرهم إجازات مفتوحة، وتفرغوا لمضايقة النساء، ومحاولة إلحاق الأذى بهن، وهذه التصرفات لا شك أنها ترفع احتمال ارتكاب الجرائم.

وقدْ أدركَ الشرعُ الإسلاميُّ منذُ بزوغِ فجرِ الإسلامِ الآثارَ الجانبيَّةَ لهذهِ الظاهرةِ السالبةِ، فأمرَ نبيُّنا الكريمُ -صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ- الرِّجالَ بتجنُّبِ الجلوسِ في الطرقاتِ، وغضِّ البصرِ، وخفضِ الصوتِ، وعدمِ مضايقةِ النَّاسِ، والابتعادِ عن كلِّ فعلٍ يمكنُ أنْ يتسبَّبَ في إحداثِ الأذَى بالنساءِ.

ولأنَّ بلادنَا تسيرُ -بحمدِ الله- منذُ تأسيسِهَا على هدِي كتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ الكريمِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- واتخذتهمَا دستورًا، فقدْ حرصتْ علَى تطبيقِ ذلكَ النهجِ النبويِّ الشَّريفِ، وضمَّنتْ في منظومتهَا القانونيَّةِ موادَّ مشدَّدةً تجرِّمُ التحرَّشَ، وتُوقعُ أشدَّ العقوباتِ بحقِّ مَن يرتكبُونَ هذهِ الجريمةَ.

وظلَّ المجتمعُ السعوديُّ طيلةَ القرونِ السابقةِ بعيدًا عن هذهِ التجاوزاتِ الأخلاقيَّةِ، إلَّا فِي حالاتٍ نادرةٍ، وعلى فتراتٍ متباعدةٍ، لكنَّ ثورةَ المعلوماتِ والعولمةِ، وانتشارَ القنواتِ الفضائيَّةِ، وظهورَ أجهزةِ الاتِّصالِ الحديثةِ جلبتْ معهَا بعضَ السلبيَّاتِ، ومن ضمنِهَا رذيلةُ التحرُّش، التي بدأت الأصواتُ خلالَ الفترةِ الأخيرةِ ترتفعُ للتنبيهِ من انتشارِهَا وخطورةِ مَا يمثِّلهُ ذلكَ على قيمِ المجتمعِ وآدابهِ، وما يترتَّبُ على ذلكَ من مساوئَ اجتماعيَّةٍ ومخاطرَ يمكنُ أنْ تحيقَ بالأمنِ وتهدِّدَ الاستقرارَ.

لذلكَ تحرَّكت الجهاتُ المختصَّةُ بالسرعةِ المطلوبةِ لاحتواءِ هذهِ المشكلةِ، ومحاصرتهَا قبلَ أنْ تتحوَّلَ إلى ظاهرةٍ يصعبُ مواجهتهَا واستئصالهَا. وكمَا تعارفنَا في بلادِنَا -وللهِ الحمد- فقدْ كانَ التحرَّكُ بصورةٍ جادَّةٍ وحاسمةٍ، حيثُ تمَّ اتِّخاذُ قراراتٍ رادعةٍ من ضمنهَا التَّشهيرُ بمَن يثبتُ مخالفتهُم ووقوعهُم في هذَا المستنقعِ الأخلاقيِّ الذِي لا يليقُ ببلادِ الحَرمَينِ الشَّريفَينِ، ولا يشبهُ أهلهَا الذِين تربُّوا على مبادئِ الإسلامِ النقيَّةِ، وقيمِ العروبةِ الأصيلةِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store