Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

{... فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}؟!

A A
تجمعُنِي أحيانًا لقاءاتٌ ومناقشاتٌ معَ مَن لَا يؤمنُ باللهِ أصلًا، ومعلن اتِّباعهُ سبيلًا غيرَ سبيلِ المؤمنِينَ، وهؤلاء غالبًا لَا أتجادلُ معهُم، أو أناقشهُم فيمَا يخصُّ اللهَ، والأمورَ الغيبيَّةَ، وأكتفِي بإهدائِهِم كُتبًا علميَّةً تربطُ بينَ الدِّينِ والعلمِ؛ لأنَّ مَن غُرسَ في سويداءِ قلبهِ منذُ الصغرِ عقيدةُ الإلحادِ، أو عقيدةٌ فاسدةٌ، فالنقاشُ معهُ وجهًا لوجهٍ غيرُ مُجدٍّ، وقدْ زاملتُ بروفيسورًا كبيرًا ومرجعًا عالميًّا فِي تخصُّصهِ ممَّن يعبدُ غيرَ اللهِ، وحاولتُ أنْ أُبلغَهُ أنَّ مَا يعبدهُ حيوانٌ لَا ينفعُ ولَا يضرُّ، ومعَ هذَا استمرَّ في عبادتِهِ! والعجيبُ أنَّهُ كانَ يأكلُ لحمَهُ عندَمَا كانَ يعيشُ في الغربِ، ثمَّ إذَا عادَ إلى بلدِهِ عبدَهُ، فسألتُهُ: لماذَا لا تستخدمُ عقلَكَ فيمَا تعبدُ وأنتَ بروفيسورٌ كبيرٌّ، كلُّ عقلِكَ وحياتِكَ لا تؤمنُ إلَّا بالعلمِ؟ سكتَ ولمْ يجبْ. فعلمتُ أنَّ هذَا الصنفَ المشبعَ بالاعتقادِ متعصِّبٌ هُو من نوعِ قولِهِ تعالَى: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ).

ولعلَّ الملحدَ الذِي ليسَ في عقلِهِ ولا حياتِهِ إلهٌ من دونِ اللهِ أقرب للاقتناعِ وقبولِ الدَّعوةِ للإيمانِ من ذلكَ صاحبِ الاعتقادِ الذِي ورثَهُ من قومِهِ، وأتذكَّرُ طالبًا إنجليزيَّ الأصلِ والمنشأِ والولادةِ، في مقتبلِ العمرِ، يدرسُ دكتوراة في علمِ البيولوجيَا في جامعةِ نوتنجهام، دخلَ علينَا في المركزِ الإسلاميِّ فجأةً يطلبُ أنْ يشهرَ إسلامَهُ، وتحقَّق لهُ ذلكَ، حيثُ نطقَ الشهادتَينِ، ثُمَّ ذهبَ في ليلتِهِ تلكَ إلى منزلِهِ، فعندمَا أصبحنَا في اليومِ التَّالِي ذكرَ لنَا زملاؤهُ بأنَّهُ توفَّاهُ اللهُ فِي ليلتِهِ تلكَ التِي نطقَ فيهَا الشَّهادتَينِ، وهُو شابٌّ غايةٌ في الوسامةِ والجسامةِ (جسمهُ رياضيٌّ وفارعٌ في الطولِ)، لقِيَ ربَّهَ مُسلمًا دونَ أنْ يصلِّي أيَّ صلاةٍ، مذكِّرًا إيَّانَا ببعضِ القصصِ التِي كانتْ تُروَى عن بعضِ الصحابةِ -رضوانُ اللهِ عليهِم أجمعِينَ-، انطوتْ صفحتُهُ، ولقِيَ ربَّهُ، وبقِيَ فِي ذهنِي سؤالٌ: كيفَ اهتدَى هذَا؟ ومَن رغَّبهُ في الإسلامِ وأقنعهُ بِهِ، مع أنَّه لا يؤمنُ باللهِ؟

فبعد تقصي الموضوع، علمتُ أنَّ هناك طالبات من ماليزيا كنَّ يدرسن معه في التخصص نفسه، وكنَّ يتركنَ بعض الكتب التي تشرح عن الإسلام على الطاولة لمن يريد أن يقرأ، وهو ممن كان مهتماً بقراءتها، وكثيراً ما كان يطلع عليها، ويسأل عن بعض ما جاء فيها، فعندما بلغ فيه الأمر إلى القناعة، سعى إلى ربه ليؤمن به؛ لأن داخله لم يتلوث بعقائد فاسدة تترس بعبادة تقليدية ورثتها من الآباء والأجداد.

آلاءُ اللهِ في الكونِ والحياةِ والنفسِ كثيرةٌ جدًّا، وآلاءُ اللهِ المقصودُ بهَا نعمُ اللهِ وآياتُهُ؛ لذلكَ جاءَ ذكرهَا واحد وثلاثون مرَّةً في سورةِ الرَّحمنِ لتأكيدِ وإقرارِ الإنسِ والجنِّ بهذهِ النِّعمِ والآياتِ في قولهِ تعالَى: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أيّ بأيٍّ من نعمِ اللهِ الكثيرةِ التِي عرضَهَا اللهُ عليكُم في مشاهدَ متعدِّدةٍ في النَّفسِ والكونِ والحياةِ أنتُم تكذِّبُون؟

أقولُ لكلِّ مَن يعرضْ عنْ ربِّهِ، ونعمِ ربِّهِ، وآياتِ ربِّهِ فيتوجَّه إلى معبودٍ غيرهِ من حجرٍ، أو بشرٍ، أو بقرٍ، أو يعبد هواهُ بالانتماءِ إلى فصيلةِ الإلحادِ؛ ممَّا يتسبَّبُ عنهُ إعراضٌ عن توحيدِ ربِّهِ إلى الشِّركِ والكُفرِ بنعمِهِ وآلائِهِ، أقولُ لهُم: إنْ كُنتم لَا تُؤمنُون بِربِّكُم وبحقِّ ربِّكُم في العبادةِ كمَا قالَ تعالَى: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store