Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها

A A
لفتَ نظرِي خبرٌ بثَّه موقعُ قناةِ العربيَّةِ، خلالَ الأيامِ الماضيةِ، عن إصدارِ الجهاتِ الرسميَّةِ في المملكةِ نظامًا يقضِي بإلزامِ منسوبِي الجهاتِ الحكوميَّةِ السعوديِّين المدنيِّين بارتداءِ الزيِّ الوطنيِّ، «الثَّوب والغُترة أو الشِّماغ»، منذُ دخولِهم لمقرَّاتِ العملِ، وحتَّى خروجِهم، باستثناءِ مَن تقتضِي طبيعةُ عملهِم ارتداءَ زيٍّ مهنيٍّ محدَّدٍ، كالأطبَّاءِ والممارسِينَ الصحيِّينَ والمهندسِينَ، وغيرِهم.

وحقيقةً، فقدْ سُررتُ -غايةَ السرورِ- بهذَا النظامِ الذِي ينحازُ إلى زيِّنَا الوطنيِّ المتميِّزِ، الذِي عُرفنَا بهِ وسطَ بقيَّةِ الدولِ والشعوبِ، وصارَ ملازمًا لهويَّتنَا الوطنيَّةِ، لاسيَّما أنَّه لا زالَ حاضرًا بقوَّةٍ في مشهدِنَا الاجتماعيِّ. ورغمَ انسياقِ البعضِ وراءَ ملابسَ غريبةٍ لا تتواءمُ معَ أذواقِنَا وعاداتِنَا وأعرافِنَا، ولا تتناسبُ معَ بيئتِنَا، إلَّا أنَّ كثيرًا من شبابِنَا -وللهِ الحمدُ- ما زالُوا متمسِّكِينَ بارتداءِ الزيِّ السعوديِّ الأصيلِ.

ربَّما يرَى البعضُ في القرارِ تضييقًا على حريَّاتِ النَّاسِ، وتقييدًا لرغباتِهم، لكنْ هذهِ وجهةُ نظرٍ غيرُ صحيحةٍ بالتَّأكيدِ؛ لأنَّ هذهِ المؤسساتِ الحكوميَّةَ تعبِّرُ عن الدَّولةِ، وتعكسُ صورتهَا لدَى الآخرِينَ، لذلكَ فإنَّ الالتزامَ بارتداءِ الزيِّ الوطنيِّ فيهَا، هُو حقٌّ أصيلٌ لا يختلفُ عليهِ اثنَانِ.

وبعيدًا عن لغةِ الحقوقِ والواجباتِ، فإنَّ السؤالَ التقليديَّ الذِي أثقُ في أنَّه يدورُ بذهنِ كلِّ واحدٍ منَّا يتمحورُ حولَ المغزَى من ارتداءِ بعضنَا لأزياءَ غريبةٍ عن بيئتنَا، وكثيرٌ منهَا يتصادمُ معَ القيمِ والواقعِ والموروثِ، فنحنُ نعيشُ في بيئةٍ حارَّةٍ تتطلَّبُ ارتداءَ ملابسَ فضفاضةٍ تسمحُ بدخولِ الهواءِ وخروجهِ لترطيبِ أجسادِنَا، على أنْ تكونَ ذاتَ ألوانٍ فاتحةٍ تعكسُ الحرارةَ.

لذلكَ، فإنَّ ارتداءَ ملابسَ ضيقةٍ بألوانٍ فاقعةٍ، عليهَا رسوماتٌ غريبةٌ، أو كلماتٌ غيرُ مفهومةٍ، لَا يعنِي سوَى أمرٍ واحدٍ، هُو أنَّ صاحبهَا يعانِي من الاستلابِ الثقافيِّ، وغيرُ مدركٍ للمعنَى الحقيقي للحضارةِ، فهِي ليستْ في الملابسِ والمظاهرِ، بلْ هِي مضامينُ ومعانٍ وسلوكٌ في المقامِ الأوَّلِ.

ولا يُفهمُ من ذلكَ أنَّني أدعُو شبابنَا للعزلةِ والانكفاءِ، وعدمِ مسايرةِ العصرِ، فهُم في الآخرِ جزءٌ من هذَا الكوكبِ الذِي نشاركُ الآخرِينَ العيشَ فيهِ، يؤثِّرُون فيمَا حولَهم ويتأثَّرُون بهِ، لاسيَّما ونحنُ نعيشُ في عصرِ العولمةِ والانفتاحِ الذِي فرضتهُ ثورةُ المعلوماتِ.

لكنْ أتمنَّى لو كانَ تقليدهُم لنظرائِهم الغربيِّين في اهتمامِهم بالتَّحصيلِ الأكاديميِّ، وطلبِ العلمِ، والاعتمادِ على النَّفسِ، وتنميةِ القدراتِ، وغيرِ ذلكَ من الجوانبِ الإيجابيَّةِ، وأنْ يتركُوا ما لديهِم من عاداتٍ سالبةٍ وضارَّةٍ لا تتناسبُ معَ مجتمعنَا، وتتصادمُ مع قيمنَا وديننَا الحنيفِ.

فكثيرٌ من النَّاسِ يشعرُونَ بالضيقِ من مشاهدةِ بعضِ الشبابِ وهم يسيرُونَ في الأماكنِ العامَّةِ وأمامَ العوائلِ في المتنزَّهاتِ والمقاهِي والمطاعمِ ومحلَّاتِ ومراكزِ التسوُّقِ، بالشورتاتِ، رغمَ أنَّ ارتداءَ مثلِ هذهِ الملابسِ ليسَ فيهِ مراعاةٌ للذَّوقِ العامِّ الواجب المحافظةُ عليهِ، وأنْ نكونَ جميعًا قدوةً في حُسنِ المظهرِ العامِّ.

ما أتمناه هو حدوث حملة شعبية على عدة مستويات، لتحفيز الشباب للحفاظ على الزي الوطني، وحثهم على ارتدائه والمحافظة عليه، على أنْ تشارك في هذه الحملة وسائل الإعلام التي تحظى بتأثير كبير، وكذلك المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتمتعون بقبول واسع وسط الشباب، وأئمة المساجد والخطباء، وكل من له تأثير أو قدرة على تشكيل الرأي العام، وأنْ نهتم جميعنا بالحفاظ على الزي السعودي المتميز، الذِي يمثل هويتنا، وانتماءنا، ورمزَ أصالتنا، وعنوانَ حضارتنا وقيمنا العريقةِ.

وأهمسُ في أُذنِ أبنائِي الشَّباب، وأُوصيهُم أنْ لا ينبهرُوا بالآخرِينَ، ويُسارعُوا إلى تقليدِهم بصورةٍ عمياءَ، وأنْ يتمسَّكُوا بتراثِهم وعاداتِهم الجميلةِ وتقاليدِهم الرائعةِ؛ لأنَّهم أبناءُ رجالٍ أشدَّاءَ، كانَ لهُم باعٌ كبيرٌ في إثراءِ مسيرةِ الحضارةِ البشريَّةِ. وعليهِم إدراكُ أنَّ مَن لا يملكُ جذورًا تاريخيَّةً لا يمتلكُ القدرةَ على التَّحليقِ في سماواتِ التقدُّمِ والازدهارِ، وأنَّ مَن لا يتمسَّكُ بذاتهِ ويعتزُّ بهويَّتهِ سيكونُ مصيرهُ الذَّوبان في ثقافاتِ الآخرِينَ، وأنَّ مَن لا يتمتَّع بماضٍ عريقٍ لا يمكنهُ إيجاد حاضرٍ مقنعٍ أو مستقبلٍ مشرقٍ، وأنَّ السَّعيَ الجادَّ نحوَ العلمِ والحضارةِ الحديثةِ، لا يعنِي -بأيِّ حالٍ من الأحوالِ- الانسلاخَ من الواقعِ، أو التنكُّرَ للتَّاريخِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store