Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

البطالة.. بين العرض والمرض

البطالة من أكثر القضايا نقاشاً وفرضت نفسها في اهتمامات الجميع إن كان في حليف المجتمع عامة أو الإعلام وبطبيعة الحال الحكومة، يعني نستطيع أن نقول إن الدولة كلها حكومة وشعباً مهتمة بهذه القضية، والسبب

A A

البطالة من أكثر القضايا نقاشاً وفرضت نفسها في اهتمامات الجميع إن كان في حليف المجتمع عامة أو الإعلام وبطبيعة الحال الحكومة، يعني نستطيع أن نقول إن الدولة كلها حكومة وشعباً مهتمة بهذه القضية، والسبب الجوهري في وجودها وما نشكو منه ليس في ضخامة حجم البطالة لأننا نتكلم عن نصف مليون أو أكثر من الباحثين عن العمل، ولا تتعلق مشكلاتها بصعوبة أو استحالة علاجها لأنه ممكن ومتاح، إنما القضية تكمن في طبيعة التناقضات الموجودة على أرض الواقع بين سوق عمل به نحو 7 ملايين وافد يعملون في مختلف المجالات، منهم أعداد غير قليلة عمالة سائبة أو تعمل تحت تستر وتمثل (اقتصاد ظل) يقدر بمليارات الريالات يعود للمقيمين في صورة مشاريع صغيرة في قطاع التجارة والخدمات الصغيرة مقابل مبالغ مقطوعة للمواطنين المتسترين، وأرباح هذه الأنشطة الصغيرة تمثل جزءاً غير قليل من إجمالي التحويلات من المملكة.
إذا قلنا نصف مليون مواطن ومواطنة يبحثون عن عمل أو مليون أو حتى أكثر ممن هم مقبلون على سوق العمل في بلد يتمتع باقتصاد قوي وسوق عمل نشط لقطاع خاص إمكاناته كبيرة واستثماراته متنامية ومتنوعة فإنه لا توجد مشكلة على ضوء احتياجات هذا السوق ولكن الخلل القائم هو اعتماد القطاع الخاص بالدرجة الأولى على الاستقدام، لذا نحن بالفعل أمام خلل أكثر منه ضعف فرص العمل التي يمكنها استيعاب كافة الخريجين من أبناء البلد وأكثر، ولعل هذا ما جعل وزارة العمل تتجه مؤخراً للنظام الجديد المعروف باسم (نطاقات) لتصحيح انحرافات في سوق العمل، ولكنه ليس العلاج الشافي الوافي ولا يرتبط بتنمية الثروة البشرية التي تتطلب رؤية متكاملة تضع كافة الأطراف في قلب المسؤولية وفق تخطيط واضح، ولا شك أن المواطن يتحمل مسؤولية كبيرة في وجود ظاهرة البطالة بنفس القدر الذي تتحمله أجهزة التخطيط والتنفيذ وعدم وجود خطة محكمة لاستثمار الموارد البشرية الوطنية.
كما قلت أن الحلول الحالية لا تعني أن سوق العمل سيتم توطينه بالكامل، فهي لم تضمن ذلك ولا يمكن أن تستهدف ذلك أيضاً لسبب جوهري هو عدم توفر الطاقات البشرية من المواطنين تغطي كافة التخصصات، بل إن بعض القطاعات كالصحة على سبيل المثال أمامها سنوات طويلة حتى تعدل ميزان القوى العاملة لصالح المواطن في مختلف تخصصات هذا القطاع وليس توطينه بالكامل على ضوء التوسع في المشاريع الصحية والحاجة الواقعة، وأقرب مثال طلب وزارة الصحة التعاقد مع الآلاف من الخارج في مختلف التخصصات الطبية والتمريض، في الوقت الذي يصعب فيه التوسع في التعليم الطبي والصحي بشكل غير محسوب، لأن هذا التعليم مرهون أيضاً باعتبارات تعود لكليات الطب والصيدلة على سبيل المثال وشروطها في القبول ومستويات المتقدمين، وفي نفس الوقت نجد القطاع التعليمي الصحي الفني من تمريض وغيره مرهون بحجم التعليم الحالي، وطبيعة الأعداد المتقدمة إليه، وعموماً خريجي التعليم الطبي والصحي لا مشكلة بالنسبة لتوظيفهم، وهذا واضح في القطاع الصحي الحكومي وبدرجة متزايدة في المستشفيات الأهلية.
إذن لا يمكن النظر للبطالة كحزمة واحدة، ولن تعالجها سياسة العصا والجزرة، وإنما رؤية متكاملة تقوم على مشروع وطني له أهداف مباشرة، مثلما فعلت دول عديدة وتصدر للعالم خبرات مطلوبة، ونحن لازلنا في حيرة مع سوق العمل ونداويه بالتي كانت هي الداء، لكنه دواء للعرض دون المرض، بغربلة شوائب سوق العمل من حسابات المترددين والمتلاعبين والمتحايلين والمتسترين.
هذه بعض إشارات سريعة عن طبيعة الخلل في قضية البطالة، وإذا كان الخريجون الباحثون عن العمل يتطلعون إلى ثمار الإجراءات الحالية فإن التنمية البشرية تستلزم رؤية يشعر بها المواطن العادي والخريج والطالب، وهؤلاء لا يعنيهم كثيراً ما تقوله الدراسات، وإنما يهمهم أن يشعروا بسياسة واضحة يخططون على ضوئها لمستقبلهم ولتخصصاتهم وتحدد ملامح طريقهم بعد ذلك للتدريب والتوظيف.. سياسة تترجم رؤية شاملة تنظم الواقع وتخطط للمستقبل يطمئن من خلالها المجتمع على مستقبل أبنائه وليس كما هو حاصل اليوم ومنذ عقود، بأن يتعلم أولاً ثم ينتظر أين سيقوده حظه.. للحديث بقية إن شاء الله.
ikutbi@kau.edu.sa

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store