Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أطفالنا وسوق النخاسة الجديد ..!!

لم يعد الأمر مُلفتًا للخاطر حين تشاهد طفلًا صغيرًا لا تكاد تتميز أعلى هامته، يتحرك بين السيارات، يطرق نافذتك مستجديًا ما ستجود به عليه، حتى لو كان قطعة خبز فانية، أو بقايا ماء فاتر قد استهلكت الشمس

A A

لم يعد الأمر مُلفتًا للخاطر حين تشاهد طفلًا صغيرًا لا تكاد تتميز أعلى هامته، يتحرك بين السيارات، يطرق نافذتك مستجديًا ما ستجود به عليه، حتى لو كان قطعة خبز فانية، أو بقايا ماء فاتر قد استهلكت الشمس الحارقة صلاحياته، لكونه هو مَن قد استُهلِكت قواه تحت أشعة تلك الشمس الحارقة؛ إنها ظاهرة باتت جزءًا من حياتنا للأسف الشديد، وبتنا لا نأبه بها كثيرًا، ولعل مرد ذلك يعود إلى تأثير الإعلام الخفي على وعينا وقيمنا الروحية بوجه عام، حيث أصبحنا مُتقبلين لفكرة رؤية أبناء الشوارع والتعامل معهم بشيء من اللامبالاة، بسبب استهداف كثير من الأفلام والمسلسلات المصرية بوجه خاص لهذه الشريحة في الآونة الأخيرة، باعتبارها أمرًا واقعًا يجب التعامل معها والتأقلم عليها أيضًا، فكان أن تعاملنا نحن معها بشيء من الواقعية الخيالية، حتى إننا لم ننشغل بها أبدًا، ولم نلحظ حالة تزايدها يومًا بعد يوم، ولم نُفكر في كيفية مواجهتها بشكل عملي، بل إن كثيرًا منا قد تعامل مع ذلك المنظر بصورة فنتازية بحتة، وكأنها صور خيالية لا ترتبط بذاكرته اليومية، ليبدأ يومه وينتهي دون أن تَعْلق في مخيلته أي صورة منها. أعترف بالعجز الشخصي حين أرى ذلك المشهد لطفل حافيَ القدمين يتسكع بحثًا عن طعام، أو صغير مربوط إلى ظهر أمه لا يجد ما يحميه من لهيب وعناء الحياة، وأصدقكم القول إني صرت حائرًا بين شعور بالرأفة والرحمة على هؤلاء جميعًا، وخوف وخشية من أن يكون كل أولئك أدوات في عصابة تحركهم وتتاجر بهم، لكن الأكيد الذي ما برح يزداد يقينًا في خاطري أن جميعهم في حاجة ماسة إلى من يُفرج كربهم، ويُساعدهم لبدء حياة كريمة، والتخلص من شَرَك كل النفوس الشيطانية الظالمة، التي استغلت ضعفهم ووظفتهم -لتحقيق غاياتها- عبيدًا ليس لهم من الأمر شيء، والأكيد أن ذلك لن يكون إلا حين يهتم مجتمعنا بتأسيس جمعيات متخصصة لمتابعة هذا الأمر ورعايته. ما يدعوني إلى التأكيد على ذلك راجع إلى ما لاحظته في بعض صحفنا الوطنية من متابعة جدية من قبل أعضاء اللجنة الخماسية المُكونة من قبل إحدى جمعيات رعاية الطفولة لدينا، وهي قيد التأسيس كما أعرف، لحادث الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له عدد من الفتيات القاصرات من قبل أحدهم، وبالقدر الذي سرني ذلك التفاعل الذي شمل متابعة الإجراءات القانونية لأسر الأطفال الضحايا بإشراف المحامي الدكتور عدنان الزهراني، ومتابعة الحالة النفسية للمعتدى عليهم وأسرهم من قبل الاستشارية النفسية الدكتورة مها حريري، إلى غير ذلك، بالقدر الذي تمنيت لو تتوسع اهتمامات تلك الجمعية وغيرها لتعالج وتتابع كل مناحي هذه الظاهرة، وفق خطط مدروسة، وآليات علمية واضحة، ذلك أن الشرخ كبير، ولم نعد بمنأى عنه كمجتمع سعودي يحظى بالرعاية والاهتمام ولله الحمد، ولا تستطيع أي جهة حكومية مهما بلغ اهتمامها إحاطته والتعامل معه بمهنية عالية لوحدها، وهو ما يفرض الاهتمام بإنشاء وتنمية ورعاية العديد من الجمعيات غير الربحية في هذا المجال، ليتسنى التعامل مع مختلف القضايا المطروحة بشكل عملي، على أني أشدد بأهمية أن تراعي هذه الجمعيات توفر المهنية أولًا، وأن تمتد بعملها لمعالجة الظاهرة في منشأها إن أمكن، والأهم لكي تنجح يجب ألا تكون مقرًا للوجاهات والحفلات الشرفية، التي ابتُلِي بها عديد من برامج العمل الخيري في وطننا للأسف الشديد، فهل إلى ذلك سبيل؟ سؤال أطرحه برسم الإجابة على كل مَعنيٍّ بالأمر، وكل غيور على وطنه وأمته.
zash113@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store