Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الحسن والحسين وخطورة نقل المعركة إلى التمثيل

كان أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد الحلقة الأولى من مسلسل الحسن والحسين «سيدا شباب أهل الجنة» رضي الله عنهما، هو كيفية شكل وهيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما أن الآثار المروية الثابتة ت

A A

كان أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد الحلقة الأولى من مسلسل الحسن والحسين «سيدا شباب أهل الجنة» رضي الله عنهما، هو كيفية شكل وهيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما أن الآثار المروية الثابتة تدل على أنهما كانا أشبه الناس بجدهما رسول الله جَسَدا وسَمتا، حيث روى البخاري في صحيحه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لقيَ الحسن بن علي فضمَّه إليه وقال: «بأبي شبيهٌ بالنبي ليس شبيه بعلي، وعليٌّ يضحك»، ورُويَ في المعجم الكبير للطبراني وفي سنن الترمذي وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر وفي أنساب الأشراف للبلاذري وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر عن عليٍّ كرم الله وجهه أنه قال: «من سرَّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين عُنقه إلى وجهه فلينظر إلى الحسن بن عليّ، ومن سرَّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين عُنقه إلى كعبه خَلقًا ولونًا فلينظر إلى الحسين بن عليّ». والسؤال: هل دار في ذهن مُجيزي إنتاج المسلسل هذا الأمر؟! أم أنه قد فاتهم؟! فإن كان السبب الثاني فلا يزال الناس في فسحة ليتم إيقاف عرض المسلسل، حفظا لذات النبي في أذهاننا، واستشعارا لهيبته وعظم سَمته صلى الله عليه وآله وسلم. على أن تساؤلي لم يتوقف عند ذلك الحد وحسب، بل أخذت أفكر في سَبَبٍ منطقي حَجَبَ بموجبه مُجيزي المسلسل تمثيل عدد من الصحابة كالإمام عليٍّ والخليفة عثمان رضي الله عنهما، وواقع الحال فلست هنا في محضر المؤيد أو الرافض لأداء أدوارهما، لكن ما الفرق بينهما من وجهة نظر القائمين على المسلسل وبين بقية السَّابقين في الإسلام ممن شهدوا مع رسوله الأمين كل غزواته وشاركوه في كثير من سكناته وحركاته وصولا إلى فتح مكة؟ على أن الأخطر في كل ذلك ليس هو شبهة التجسيد وحسب، فالأمر قابل للنقاش يقينا، وفيه من الإيجاب الشيء الكثير إذا ما أخْرِجَ بطريقة فنية احترافية، إذ ما أروع وأجمل تلك المشاهد الراسخة في ذهني عن أسد الله سيدنا حمزة رضي الله عنه التي أظهرها فيلم الرسالة للراحل العقاد، وما أعمقه من تأثير وجداني مُترسخ عكسه الفيلم في وجدان وذهن غير المسلمين ناهيك عن أبناء ملة الإسلام؛ بل الأخطر بحسب تصوري حين يستهدف فريق علمي استخدام وسيلة إعلامية مؤثرة لمواجهة فريق آخر، وهو ما أرفض الانخراط فيه كباحث مؤرخ، وأتمنى أن نرتفع بخلافاتنا العلمية عن العامة، التي مضرة إقحامها أكثر من فائدته، إذ ما أحوجنا كمسلمين على مختلف مذاهبنا وتياراتنا لأن نتعاضد ونتكاتف، لا أن نزيد من حِدَّة الفجوة والفرقة بيننا، وكما هو معلوم فإن حالة تعاطي العلماء والباحثين المتخصصين في أي مسألة خلافية، يكون أفضل من تعاطي غيرهم من العوام وأنصاف المتعلمين، الذين بضيق بصيرتهم، وقصر أفهامهم، ومحدودية وعيهم، قد أدخلوا الأمة في نفق مظلم من الخلاف والاقتتال الطائفي عبر العصور وصولا إلى فترتنا المعاصرة. إنها دعوة صادقة لأن نستفيد من الإعلام ونجعله مساعدا لنا في وحدتنا بتأكيد القواسم المشتركة بيننا، لا أن نجعله وسيلة لتعميق الفجوة بيننا على أي صورة كانت، وهي دعوة من القلب لتحييد الأعمال الدرامية بخاصة في صراع التاريخ، الذي أتمنى أن يظل حبيس الحبر والقلم، إذ لا نعلم إلى أين سيأخذنا الهوى، وإلى أين ستلقي بنا المماحكات الطائفية البغيضة.
تبقى الإشارة إلى أن الرؤية التاريخية التي بنى المسلسل عليها منهجه، يشوبها الكثير من الخلل والقصور العلمي، التي بسطها الباحثون بالدرس والنقاش في عديد من المواضع، وبالتالي فلم يعد مستساغا اليوم مع تيسر المعرفة أن نقول ما نريد دون اعتبار للوثيقة والشاهد التاريخي الصحيح، وفي المقابل فلا يكفي لمتانة البحث العلمي أن تتوفر فيه النية الطيبة ليكون بحثا قويا، وليس بالضرورة أن تكون نتائجه إيجابية على المدى البعيد، إذ ما أخطر أن يكتشف الإنسان خطأ ما كان يؤمن به على أنه حقيقة مطلقة بعد حين من الزمن، فهل يدرك مجيزو المسلسل ومنتجوه أبعاد هذا الأمر؟ أم أنها بالنسبة لهم وسيلة في أتون صراع ملتهب، اختلط فيه الشخصي بالعلمي، والمحلي بالإقليمي، وإشراق الحاضر بأثقال الماضي وتبعاته، أرجو أن أكون مخطئا وأتمنى أن نخرج من بوتقة هذا الصراع المحموم بسلام.
zash113@gmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 - Stc
635031 - Mobily
737221 - Zain

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store