Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

وداعًا لرائد الأمثال الشعبية في منطقة عسير

وداعًا لرائد الأمثال الشعبية في منطقة عسير

أعترف بأنني قد تأخرت في الكتابة عن الأديب يحيى بن إبراهيم الألمعي رحمه الله الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين 3/1/1433هـ عن عمر ناهز السابعة والسبعين عامًا قضاها في خدمة الدين ثم المليك وا

A A

أعترف بأنني قد تأخرت في الكتابة عن الأديب يحيى بن إبراهيم الألمعي رحمه الله الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين 3/1/1433هـ عن عمر ناهز السابعة والسبعين عامًا قضاها في خدمة الدين ثم المليك والوطن، مع أنه رمز من رموز الأدب والثقافة في منطقة عسير وجدير بأن تكتب عنه صفحات وصفحات لما له من ثقل ثقافي بشعره ونثره، وعلى كل حال فقد نشأ أديبنا وشاعرنا الراحل في مدينة رجال ألمع ومارس التجارة مع والده ثم التحق بالعمل الوظيفي في عدة جهات حكومية وكان إلى جانب ذلك يزاول الكتابة الصحافية منذ مطلع شبابه في صحيفة عكاظ وغيرها كما أذيعت له مجموعة من الأحاديث الإذاعية وكان أحد أعضاء نادي أبها الأدبي البارزين بمشاركاته الشعرية في عدة أمسيات شعرية وهو أول من وثّق الأمثال الشعبية في منطقة عسير وجمعها ورتبها وشرحها وطبعها في كتاب سمّاه (الأمثال الشعبية في المنطقة الجنوبية) في طبعته الأولى عام 1401هـ ومن مؤلفاته رحمه الله كتاب (رحلات في عسير) الجزء الأول وقد طبع هذا الكتاب في أوائل التسعينات الهجرية من القرن الرابع عشر المنصرم وهو يشتمل على مشاهدات للمؤلف رصدها من خلال تجواله في منطقة عسير وانطباعات شخصية ووصف للبيئة العسيرية بجبالها وسهولها وقراها وآثارها وأنساب قبائلها ومزود بصور فوتوغرافية للمؤلف رحمه الله في الأماكن التي زارها وقد نفدت نسخ هذا الكتاب في طبعته الأولى الغنيَّة بالمعلومات القيمة عن منطقة عسير.
وكم كنت أتمنى لو أن المؤلف رحمه الله طبع الجزء الثاني من الكتاب أو ضم الجزء الأول إلى الثاني في طبعة جديدة ولعل أبناءه البررة أن يجتهدوا في البحث بين أوراق والدهم رحمه الله فلعلهم يعثروا على ذلك الجزء الثاني من الكتاب ويقدموه لنادي أبها الأدبي لطباعته.
كما أن للراحل كذلك عدة دواوين شعرية مطبوعة أذكر منها (عبير من عسير) و(من روابي عسير) (ولمسات وهمسات) هذا إلى جانب عشرات المقالات الصحافية التي كان ينشرها في الصحف المحلية كصحيفة عكاظ وتناولت قضايا اجتماعية وتاريخية وأدبية.
وأختم حديثي بوقفة تأملية في شعر الأديب يحيى الألمعي فلقد اتسم شعره بالسهولة في الألفاظ والعذوبة في الأساليب وصدق العاطفة والعمق في المعاني والتحليق في الخيال كما تناول شعره أغراضًا شعرية متنوعة كالمدح والرثاء والوصف والغزل والحكمة والعتاب والفخر وفن المعارضة الشعرية وإليك أخي القارئ أمثلة مختارة من شعره رحمه الله :
1 غرض الوصف :
تاقت النفس لأحلام الصِّبـا
والليالي الغرّ في عهد الصغــر
تلك آمال بها كل المنـــى..
تعمر النفس بأطياف السحــر
في رياض الزهر والـورد الــتي
تملأ القلب بإشعاع القمــــــر
ومع الخلان نغدو في الربــــى
في مراعيها وأفياء الشجــــــر
وغمام السحب يبدو في الـذرا
يذرف الطل ويأتي بالمطــــــر
قطرات كنت قد شبهتهـــــــا
كجمانٍ نشرها أو كالــــــدرر
2 غرض الحكمة والتأمل :
يا أيها العبد ما هذا الصدود ومــا
تدري بأنك مسؤول له شـــــــان
لا تحسب العيش في دار لها تلــف
حلو المذاق فذا مرٌّ وقطــــــــران
لا ترتجي في حياة كلها كــــــــدر
طيب المقام لها بعد وهجـــــــران
لا تملأ العين في مال وفي بــــــذخ
قد استوى فيه فلاَّن وعـــــــــلاَّن
فالكل يفنى ولا يبقى لهم أثــــــر
إلا الصلاح وتقوى الله.. إيمـــــان
3 غرض الشكوى :
أشكو الزمان وأهله قد نالــــني
من هذه الفئتين ما قد نالــــــني
أشكو الأحبة والرفاق جميعهـــم
أشكو بني عمي ومن قد عالـــني
أشكوهمو والله يعلم أنـــــــني
أهواهمو بالرغم ممن قد خانــني
فلقد سئمت من الحياة.. وأهلهـا
لم أبغ منهم أي شيء فاتـــــــني
حتى لقد ناجيت ربي سائـــــلًا
وأقول يا موت ألا لاقيـــــــــني
إن الخطوب إذا أحاطت بالفتــى
كره الحياة وقال ماذا غالــــــــني
إني وجدت مرارة العيش الـذي
جُرِّعتهُ منهم ودومًا طالــــــــني
4 غرض الرثاء :
ألا يا عين جودي بالدمـــــــوع
وهلِّي في السجود وفي الركــوع
وسيحي فوق خدي في الهجــوع
لكي تطفي لهيبًا في ضلوعـــــي
على من كان في الدنيا صديقـي
وخِلًاّ دائمًا أبدًا رفيقــــــــــي
ونورًا ساطعًا يهدي طريقـــــي
ودرعًا واقيًا في كل ضيــــــــق
5 المعارضة :
أمسى التداني بديلًا من تجافينــــــا
وحلّ عن بعد لقيانا تدانينـــــــــا
فطابت النفس وارتاحت جوانحنـــا
وتاقت الروح للقيا أمانينـــــــــــا
ما أسعد القرب بعد البعد في جـذل
وما ألذَّ اللقا عند المحبينـــــــــــــا
لا تحسب النأي سهلًا في مقاصــــده
كم أهلك النأي فتيانًا ميامينــــــــا
كم قرَّح السُّهد أجفانًا وأوقدهــــــا
نارًا من الدمع تجري في مآقينـــــــا
كم أحرق الحب أنفاسًا وأفئــــــدة
وصاحب الحب في الأجداث مدفونـا
لم يبق منه سوى ذكرى وأغنيـــــــة
تشدو بها الطير ألحانًا أفانينــــــــا
6 غرض الفخر :
سلام على نجد ومن حل في نجـــد
تحية مشتاق يهيم من الوجـــــــدِ
يحن بشوق للرياض وأهلهـــــــا
رضيت بحَرٍّ كان فيها مع الـــــبرد
وجدت بها أهلي وصحبي وإخوتي
أتوق إليهم بالمحبة والــــــــود
ولم أك في نجد غريبًا لأنـــني
أرى أن أهلي كان منها على البعـد
ولا غرو أن تهوى الرياض وأهلها
هي الأم فيها ما يرام وما يجــــدي
وفيها رجال من معدٍّ ويعــــــرب
وعاهلها حام بحزم مع الجـــــــــد
إمام حوى فضلًا ومجدًا وســــؤددًا
وإخوانه الغرّ الميامين كالأســــــد
قدمت إلى هذي الديار مسلمـــــًا
ديار لها أهفو وقد كنـــت في الأزد
أقمت بأبها منذ عشريـــــن حجة
وها أنا ذا في دوحة العز في نجــــد
عرين حماة لا يشق غبارهــــــــم
همو الأمل المرجو في حالة القصد
وحتى لا يطول بي الكلام فإن الشاعر يحيى الألمعي -رحمه الله- واحد من أبرز رواد الشعر المعاصرين في منطقة عسير وقد طرق في دوواينه الشعرية جل الأغراض الفنية التي استعرضت فيها ستة نماذج على سبيل التمثيل ولعل واحدًا من طلاب الدراسات العليا في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك خالد يتناول حياة هذا الشاعر المجيد بدراسة أكاديمية موسعة ويدرس تراثه النثري والشعري والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store