المواطن الصحفي

بفضل "تويتر" والشبكة الاجتماعية، أصبحنا نقرأ أخباراً غريبة تماماً. بالنسبة للصحفيين والباحثين والكتَّاب، هناك كنز معلومات متجولة على الانترنت. يكفي أن تكون مستعداً لتلقيها على جوالك. يبقى بعد ذلك أن تغربلها، وهذا ليس بالأمر السهل. حتماً، ستنقل أخباراً وهمية، وشطحات، وترّهات... وفي نفس الوقت، قد تصلك معلومة يمكن أن تصبح في ظروف استثنائية هي الخبر. هذا ما جعل "مهنة المتاعب" كما سماها رواد الصحافة العربية الذين سبقونا إلى هذه الأعمدة، تقتضي أتعاباً أكبر، وجهوداً أوسع، في الوقت الذي أصبح فيه فيض المعلومات مجهداً فعلاً، ومخيفاً أيضاً.
أصبح الهواة – وهم عامة الناس – ينافسون أصحاب المهنة. القنوات التلفزيونية والصحف الكبرى في العالم العربي وفي العالم بأسره، تعلن على مواقعها الإلكترونية أنها ترحب بتقارير وصور وأفلام كل من لديه معلومات تخص الشأن العام وتصلح أن تكون خبراً. البعض يسمون هؤلاء المتطوعين : "ملاحظين"، والبعض يسمونهم "مواطنين صحفيين" أو "مواطنين مراسلين".
أكثر من مرة، شاهدنا على شاشات التلفزيون تقارير عن أحداث خطيرة وأليمة كانت ربما ستبقى مدفونة مدة طويلة لولا مساهمة "المواطن الصحفي" في إيصالها. أكثر من مرة، تشجع بعض الناس وصوّروا بالهاتف الجوال، بعض الجرائم التي يمارسها الجيش النظامي في سوريا بمساعدة الروس والإيرانيين، ووصلت تلك الصور إلى بقية العالم، كما وصلت صور أخرى من مناطق وبلدان أخرى.
لا يزال الإعلام مهنة يدرسها الناس في المدارس العليا المتخصصة. ولكنني أعرف عدداً كبيراً من الاعلاميين الناجحين، الذين أصبحوا "نجوماً" حقيقة، دون أن يكونوا قضوا سنوات طويلة يتعلمون في الجامعة كيف يكتبون مقالة، أو كيف يقومون بمقابلة صحفية، أو كيف يعدون تحقيقاً ميدانياً أو يحررون تقريراً. كيف لا أذكر في هذا المقام مؤسسي هذه الصحيفة الرائدة : علي وعثمان حافظ رحمهما الله؟ لا شيء في سيرة هذين الرجلين المبكرة كان يشير إلى أنهما سيكونان من رواد الصحافة العربية. فعلي بدأ حياته كاتباً في المحكمة الشرعية، ثم عمل بمديرية الزراعة، قبل تأسيس "المدينة". وعثمان كان كاتباً في مديرية المعارف ثم مدرّساً قبل أن يترأس تحرير هذه الصحيفة.
ولعله سيظهر من بين "المواطنين الصحفيين" نجوم لإضاءة الظلمة...