Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

كينان وسوريا

عندما يثار الحديث حول احتمال أو عدم احتمال التدخل الأمريكي في أي مكان من العالم -وأنا أقصد تحديدًا سوريا في هذا السياق- لابد من التذكير ببعض الحقائق، وأبرزها أن الولايات المتحدة لا تتدخل في أي نزاع

A A

عندما يثار الحديث حول احتمال أو عدم احتمال التدخل الأمريكي في أي مكان من العالم -وأنا أقصد تحديدًا سوريا في هذا السياق- لابد من التذكير ببعض الحقائق، وأبرزها أن الولايات المتحدة لا تتدخل في أي نزاع ما لم يثبت أن لها مصلحة قومية في حسمه أواحتوائه، فإذا لم يكن الموضوع يُشكِّل خطرًا مباشرًا على مصالح الولايات المتحدة أو غير مباشر من حيث إمكانية أن يمس أحد حلفائها، فواشنطن لا تتدخل.
يعود هذا النمط من التفكير إلى الفترة التي أعقبت مباشرة الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كلاعبين رئيسين على المسرح الدولي.
في تلك الفترة -تحديدًا في أواخر عقد الأربعينيات- صاغ المؤرخ والدبلوماسي جورج كينان مفهوم "سياسة الاحتواء" في مقال شهير له نشر بمجلة "الشؤون الدولية" تحت عنوان: "مصادر السلوك السوفييتي"، ووقّعه باسم مستعار هو "إكس"، بحكم حساسية منصبه كسفير للولايات المتحدة في موسكو حينئذ، ويمكن تلخيص فحوى ما دعا إليه "كينان"، في أنه طالما لم يبادر الاتحاد السوفييتي بمهاجمة الولايات المتحدة، فعليها ألا تهاجمه، وأن تعتمد بدلاً من ذلك، على "العصا والجزرة الاقتصادية"، وكذلك على الدبلوماسية والعمل الاستخباراتي، فضلاً عن الترويج لصحة وحيوية الرأسماليات الديمقراطية، بغية الفوز بالحرب الباردة، وكتب "كينان" في هذا المنحى قائلاً: "صحيح أن الروس يتطلعون إلى توسيع نفوذهم الإقليمي والدولي، ومع ذلك، فإن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبنى سياساتها على أساس بعيد المدى، وأن تلتزم الصبر والحزم معًا، مع توخي اليقظة التامة في احتوائها للنزعات التوسعية الروسية"، وقد كان يعتقد "أنه بمرور الوقت، فإن الاتحاد السوفييتي آيل للانهيار من تلقاء نفسه، بسبب ضعفه وانعدام تماسكه الداخلي، وبسبب تمدده بعيدًا وعلى نحو منهك واستنزافي، خارج حدوده السياسية والجغرافية"، وقد أثبت التاريخ صحة ما ذهب إليه "كينان" الذي أصبح بذلك زعيم المدرسة الواقعية في السياسة الأمريكية.
ولا شك أن اختيار كينان "اللعبة السياسية" و"المنافسة الأيديولوجية" له مبرراته، فقد اعتقد أن السبيل الأفضل لكسب العقول والقلوب، هو البرهنة على تفوق الرأسمالية الليبرالية، وتقديمها مثالاً مجسدًا للأعداء والأصدقاء.
إن كينان الذي لا يزال يمارس أبعد التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية قد يكون هو الذي يحول دون تدخل عسكري أمريكي في سوريا لحسم النزاع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store