Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أسامة شبكشي.. رحلة العطاء بين الطب والدبلوماسيةسياحة في كتاب «مواقف وأشهاد»

أسامة شبكشي.. رحلة العطاء بين الطب والدبلوماسيةسياحة في كتاب «مواقف وأشهاد»

لكلّ شخص من الأشخاص، الذي يتوّجون بثقة الاختيار لشغل منصب من المناصب العامة في الدولة، نهجه وطريقته الإدارية، التي يسعى من خلالها إلى إظهار تميّزه في العطاء، وتفرده في الإنجاز، ضمن السياق العام للدولة

A A
لكلّ شخص من الأشخاص، الذي يتوّجون بثقة الاختيار لشغل منصب من المناصب العامة في الدولة، نهجه وطريقته الإدارية، التي يسعى من خلالها إلى إظهار تميّزه في العطاء، وتفرده في الإنجاز، ضمن السياق العام للدولة، وفي إطار سياساتها المرسومة؛ وعلى هذا فإنّ ما تقوم به الشخصية يصبح بالضرورة جزءًا من التاريخ الموجب للاستقصاء والتأمّل والدراسة، خاصة إذا عمدت الشخصية من تلقاء نفسها ودوّنت سيرة حياتها، وما قامت به من منجزات، معضدة رؤيتها من قبل شهود عليها، فمثل هذا الصنيع يحوّل «السيرة الذاتية» إلى تاريخ عام، طالما أنّ الشخصية ارتبطت في حديثها بما أنجزته على مستوى الشأن العام، فكأنّها بذلك تكتب سيرة المنصب في حقبة من الحقب، وسطور العطاء، في زمن من الأزمان. وتبدو مثل هذه السير الذاتية ثرية إذا كان صاحبها قد تنقل في العديد من المناصب المهمة مسنودًا بالثقة من ولاة الأمر، مثلما هو الحال في شخصية الأستاذ أسامة بن عبدالمجيد شبكشي، الذي تدرج في عدد من الوظائف والمناصب الحكومية، بدءًا من جامعة الملك عبدالعزيز، ثم وزارة الصحة بالرياض، ومنها إلى الديوان الملكي، لينتقل من ثمَّ إلى سفارة خادم الحرمين الشريفين في ألمانيا. إن جملة هذه الانتقالات تكشف عن تجارب مختلفة وعديدة، على اعتبار أن العمل في حقل التدريس الجامعي، ليس مثل العمل في وزارة الصحة، كما أن متطلبات العمل في الديوان الملكي، تختلف من حيث التجربة عن العمل الدبلوماسي في السفارات، ووفقًا لذلك فإن سقف التوقعات يرتفع إلى درجة كبيرة حين مطالعة السيرة الذاتية التي خطّها قلم «شبكشي» طي كتابه الموسوم بـ»مواقف وأشهاد».
ولا سبيل لمطالعة ما احتشد به الكتاب من «مواقف وأشهاد»، دون المرور سريعًا على غلافه، بوصفه عتبة مهمة تضيء الطريق لقارئه. فعلى خلفية سوداء بالكامل، احتلت صورة شخصية للمؤلف صفحة الغلاف، صورة جاءت بدون ألوان، وكأنها تعمق من فكرة البعد التاريخي، وتترك باب الاحتمالات مفتوحًا أمام المتلقي للتعاطي مع المواقف والأشهاد بحسب ما تفضي إليه في سياق سردها.
الكتاب نقص عن الـ(600) صفحة بخمس فقط، واشتمل على ثلاثة أجزاء، مسبوقة بمقدمة، كتبها المؤلف نفسه، وكشف في ثناياها عن بواعثه لكتابة هذه السفر، والعقبات التي واجهها، والمعينات التي تلقاها لإنجازه، حيث أشار إلى أن استجابته لمقترحات ثلة من أصدقائه وزملائه بتدوين ذكرياته وتجاربه الشخصية، وأحداث المراحل الزمنية التي عاصرها، كان أحد هذه البواعث، بجانب سعيه نحو تأكيد دور الآخرين في ما قام به من عمل، لقناعته «أنّ في كتابة المذكرات، وتسجيل الوقائع والتطورات، والتنويه بالشخصيات التي كان لها الأثر البالغ في صنع تلك الأحداث وإبرازها؛ وفاء لحق هؤلاء في نسبة الأمور إليهم، واعترافًا بفضلهم، وبدورهم الفاعل في بلورة ملامح تلك الشخصية، ما يوجب على المرء نقله وتدوينه بكل أمانة وإخلاص، من باب الوفاء والإنصاف». وحملت المقدمة كذلك صورة واضحة لمراد المؤلف من كتابه والمتمثل في إبراز الحقائق وتسطير الوقائع على النحو الذي جرت عليه، مبرئًا قلمه من فكرة تمجيد الذات، أو الدفاع عمّا أنجزه. موردًا أسماء من شاركوا معه بالكتابة في هذا المؤلَّف، والذين بلغ عدهم (11) شخصية.
في ضوء هذه المقدمة، شرع المؤلف في تدوين ذكرياته وتسجيل وقائعها في ثلاثة أجزاء، حيث تناول الجزء الأول «النشأة والتعليم»، مشيرًا إلى مولده بحارة المظلوم في جدة يوم 20 ذي الحجة 1363هـ بمنزل جده لأبيه، ساردًا بعض ذكرياته في مرحلة الطفولة، ومن ذلك رحلته إلى المدينة المنورة، وإصابته بالالتهاب الرئوي وتعرضه للكي طلبًا للعلاج، مبينًا أنه التحق أولًا بمدرسة الفلاح قسم الأطفال، وكانت وقتها تشتهر باسم «المجمّع»، ثم ارتحاله وهو في السادسة من عمره إلى «كمبوني كوليدج» بالعاصمة السودانية الخرطوم، لينتقل منها إلى الكلية الوطنية بالشويفات في لبنان، ومنها انتقل إلى «فيكتوريا كوليدج» بالإسكندرية، وبعدها بعام عاد إلى أرض الوطن والتحق بمدرسة القصور السبعة. لكن الظروف أجبرت والده على الانتقال إلى القاهرة، فحملت العائلة متاعها إلى هناك، وذلك عند نهاية الفترة الإعدادية من حياته، فالتحق هناك في القاهرة بالصف الثاني الثانوي، ثم عاد لرغبته في إكمال دراسته داخل الوطن ليلتحق بمدارس الثغر النموذجية التي انتقلت من مدينة الطائف إلى جدة بأمر من الملك فيصل - رحمه الله -، ويصور الكاتب ما كان يجده من شظف العيش وخشونة الحياة، وأثر ذلك في عدم حصوله على النسبة المطلوبة للابتعاث، مما تركه أمام خيارين، إعادة العام الدراسي أو البحث عن تمويل للابتعاث على نفقته، ساردًا المعاناة الكبيرة التي تكبدها والده في توفير مبلغ الابتعاث، بعد أن عز المعين، ليبيع ساعته الذهبية بمبلغ بخس رجاء توفير مبلغ الابتعاث له، ليسلك طريقه بحثًا عن العلم في ألمانيا، ساردًا فصلًا من المعاناة في الغربة ومكابدة توفير لقمة العيش، مع الحرص على التفوق الدراسي، ليقبل من بعد معاناة ومكابدة في كلية الطب بجامعة «Christian Albrecht’s University» بمدينة «كيل». وعبر سلسلة من الأحداث الدرامية المتفاوة في مرحلة دراسة للطب يذكر المؤلف حصوله على درجة البكالوريوس بدرجة الامتياز. وكيف أنه عاد إلى الوطن طلبًا للوظيفة، غير أن وزير التعليم العالي آنذاك، الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، أكد له ضرورة العودة إلى ألمانيا للتخصص في مجال الأمراض الباطنة، ليمضي ساردًا ما كان من أمر هذه الرحلة الطويلة، وتحقيقه لحلم التخصص، بعد محطات من المعاناة، والكدح، والتفوق المائز.
ثم انتقل المؤلف «شبكشي» إلى الحديث في الفصل الثالث من الجزء الأول عن تجربته في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، بدءًا بمرحلته في كلية الطب، والمعاناة التي كانت تعيشها من نقص الكوادر المؤهلة، وعمله بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة، عارضًا لفترة إشرافه على المستشفى الجامعي، وفترة وكالة الكلية لشؤون المستشفيات، وغير ذلك من الأحداث التي مرت عليه في تلك الفترة. وفي الفصل الرابع تحدث المؤلف عن فترة العمادة الأولى لكلية الطب والعلوم الطبية، والتي امتدت في الفترة من 1404هـ إلى 1407هـ، ثم الفترة الثانية من 1407هـ إلى 1410هـ، أعقبها بحديث عن فترة إدارة الجامعة في الفصل السابع من الجزء الأول.
الجزء الثاني من الكتاب خصصه المؤلف لفترته في وزارة الصحة، مفسحًا المجال للعديد من الشهادات التي كتبتها أقلام كثيرة عن فترة توليه الوزارة، وشهادات مبثوثة في العديد من الصحف اليومية، ومن الأسماء التي كتبت عن فترته الدكتور عبدالإله ساعاتي، والدكتور سالم سحاب، والراحل عبدالله الجفري، والدكتور عبدالواحد الحميد، والأستاذ عبدالله العمري، وعبدالعزيز مؤمنة، والأستاذ مسفر الغامدي، والأستاذ عبدالله عمر خياط، والدكتور محمد خضر عريف، والأستاذ حمد القاضي، وغير ذلك من الأسماء الكبيرة التي قدمت شهادتها لتجربة شبكشي في الوزارة.
أما الجزء الثالث من الكتاب فخصصه الدكتور أسامة شبكشي للحديث عن «التمديد بوزارة الصحة»، والذي تم في الفترة من 1420هـ إلى 1424هـ، وما صحب تلك الفترة من أحداث. حاشدًا هذا الجزء بالعديد من الشواهد والوثائق التي تدعم ما قام بها من إنجازات إبان توليه مسؤولية هذه الوزارة، والجهود التي قام بها حيال ما واجهه من عقبات ومتاعب آنذاك. موردًا في خاتمة الكتاب ملخصًا لمنجازاته في جامعة الملك عبدالعزيز، وفي وزارة الصحة، فمن أبرز منجزاته في الجامعة: تصحيح مسار المستشفى الجامعي وإنهاء الاضطرابات الإدارية والمالية فيه، وإنشاء مبانٍ إضافية في كلية الطب، واستكمال متطلبات إنشاء المركز الطبي، وغيرها من المنجزات الأخرى. ومن منجزاته في وزارة الصحة إعداد هيكل تنظيمي جديد للوزارة، وإنشاء إدارة الاقتصاد الصحية، وتنظيم قواعد معالجات الحالات الإسعافية، ومعالجة إجراءات حمى الوادي المتصدع والقضاء عليها سريعًا، وغير ذلك من المنجزات التي جاءت في (35) نقطة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store